أبعاد الصراع الإسرائيلي – التركي وتداعياته على المنطقة

أ. عبد الرزاق علي

العلاقات الإسرائيلية – التركية هي علاقات ضاربة جذورها في التاريخ، وتعود بداياتها إلى عام 1949م، وتركيا هي أول دولة مسلمة اعترفت بدولة إسرائيل، إلّا أنّ هذه العلاقات قد تأثّرت وتوتّرت بعد عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها ونجم عنها من تداعيات، وكمحصلة؛ فقد قطعت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب إحجام الأخيرة عن إيقاف الحرب في غزة؛ وما زاد تلك العلاقة توتّراً هو السقوط المدوّي لنظام الأسد وتولّي السلفيين والجهادين والأحزاب الإسلامية المتطرّفة المنضوية تحت العباءة التركية للسلطة، لتتحوّل سوريا إلى ساحة صراع مفتوحة على كل الاحتمالات ما بين إسرائيل وتركيا.

فإسرائيل التي كانت ذات دور محوري في هذا السقوط لا يمكن أن تسمح للسلفيين وحركة الإخوان التركية أن يكونوا على حدودها، ولا يمكن أن تسمح لهم بالتغلغل في مفاصل الدولة السورية بعد إزاحة إيران وميليشياتها عن الساحة، وما الغارات الإسرائيلية ضدّ مواقع ونقاط محدّدة، كقواعد تركيا في سوريا، إلّا رسالة تحذيرية لتركيا.

ومن هنا ازداد الوضع توتّراً بين تركيا وإسرائيل، وكلُّ منهما يسوق حجّته في هذا المضمار، ويكيل الاتهامات للطرف الآخر بذرائع مختلفة لعلّ أبرزها الأمن القومي لكلّ من البلدَين؛ ليدخل بعد ذلك العامل الأهم والأكثر فعالية ألا وهو الجانب الأمريكي ليرسم الحدود لأطماعهما التوسّعية على حساب الجغرافية السورية.

هذا التطوّر المفاجئ للمواقف ما بين البلدين يثير جملة من التساؤلات، ولعل أهمها وأبرزها:

  • ماذا تريد تركيا من سوريا الجديدة؟
  • ما سبب تدخّلها؟
  • لماذا تريد أن تعقد اتفاقيات أمنية وعسكرية؟
  • ما هي أهدافها؟
  • لماذا تتصارع مع إسرائيل؟

        بعد استلام الشرع الحكم في سوريا أصبحت تركيا في وضع يتيح لها التأثير على توجّهات سوريا دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ وذلك لما لها من علاقات قوية مع الفصائل المتحالفة مع الشرع، فتركيا تتأهّب للاستفادة من تكثيف التجارة والتعاون في مجالات، منها إعادة الإعمار والطاقة والدفاع، وهي ترى في ذلك فرصة مناسبة لإنهاء وجود قوات سوريا الديمقراطية على امتداد حدودها، وتركيا تعتبر تلك القوات امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وهذا ينافي الحقيقة ويتعارض معها؛ فقوات سوريا الديمقراطية هي قوات تعمل تحت مظلّة التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقادت تلك القوات ولاتزال تقود حرباً شرسة ضدّ أعتى تنظيم إرهابي (داعش)، واستطاعت أن تقضي عليه في آخر معاقله في “الباغوز ” وأصبح هذا التنظيم مشتّتاً ولا يملك جغرافية محدّدة بفضل  ما قدّمته قوات سوريا الديمقراطية من شهداء وتضحيات.

    ودخول تركيا وتوغّلها في سوريا لم يعد خافياً على أحد؛ فأول من زار دمشق بعد الإطاحة بنظام الأسد هو رئيس المخابرات التركية / إبراهيم كالين / ووزير الخارجية التركي /هاكان فيدان/، كما أنّ تركيا هي أول دولة تفتح سفارتها، ولديها أهداف واضحة؛ منها:

  • السيطرة على القرار السوري.
  • الهيمنة الاقتصادية والاستفادة من إعادة البنية التحتية.
  • صياغة دستور جديد.
  • استئناف الرحلات الجوية وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
  • استبعاد الكرد، والحدّ – ما أمكن – من قدرات قوات سوريا الديمقراطية وحرمانها من حقوقها الدستورية.

إلّا أنّ تلك الأهداف قد اصطدمت بالمصالح الإسرائيلية على الأرض السورية؛ فإسرائيل – التي كانت وراء سقوط النظام – أيضاً لها أهدافها، ومن أبرزها:

  • تجريد سوريا من أسلحتها الكيميائية.
  • توجيه ضربات جوية ضدّ طرق إمداد حزب الله بالسلاح في الداخل السوري.
  • القضاء على الميليشيات الإيرانية وإبعادها عن سوريا.
  • تثبيت الدور الروسي في مواجهة تركيا.
  • توسيع جبهتها على حساب الجغرافية السورية.
  • تدمير البنى التحتية والقواعد العسكرية والمطارات في سوريا.
  • دعم ومساندة الطائفة الدرزية.
  • المطالبة بسوريا فدرالية.
  • مواجهة تركيا بشتّى الوسائل.
  • مواجهة إيران ومشاريعها النووية.

إذاً؛ إسرائيل حريصة كل الحرص على الاحتفاظ بكل هذه المكتسبات، وكلمة الفصل واليد الطولى في كل القضايا تبقى للولايات المتحدة الأمريكية؛ فتركيا هي حليفة للولايات المتحدة وعضوة في الناتو كذلك، وإسرائيل أيضاً حليفة مدلّلة لدى الغرب وأمريكا، وهي أقرب للولايات المتحدة منها لتركيا، لذلك تسعى أمريكا إلى التسويات والتوافقات ما بين إسرائيل وتركيا حتى لو كانت كفّة العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية هي الراجحة.

        فسوريا في الوقت الراهن رهنٌ لمناطق نفوذ كلّ من: إسرائيل في الجنوب، وقوات سوريا الديمقراطية ومظلّتها التحالف الدولي في الشرق، وتركيا في الشمال، وتبقى حكومة الشرع قيد الاختبار؛ بسبب أعمال العنف في الساحل السوري، والإعلان الدستوري وإقصاء المكوّنات الأخرى، مثل الدروز والعلويين والكرد.

ورغم إصرار وإلحاح المجتمع الدولي للمشاركة السياسية الفعلية لكافة المكوّنات في الدولة، لاتزال تلك الحكومة تراوح في مكانها ولا تترجم أقوالها أفعالاً، ناهيك عن تسلّم العناصر الأجنبية المتطرّفة المناصب والمراكز، وكلّها مؤشرات لا تبشّر بالخير للصالح العام.

يُتوقَّع أنّ الشرع ربمّا يحاول القيام ببعض الخطوات، لكنّه مكّبل بقيود الفصائل العسكرية المتطرّفة الذين بايعوه وانتخبوه رئيساً.

وصفوة القول:

 إذا لم يستطع الشرع ترجمة أقواله إلى أفعال على الأرض فسيبقى معزولاً تحت وطأة العقوبات المفروضة عليه سابقاً، وسيبقى بعيداً عن الاندماج والانخراط ضمن المجتمع الدولي، وسيبقى مصيره معلّقاً؛ لأنّ الشرع معروف وسجلّه يفضحهُ حتى لو كان بغطاء غربي أو عربي.

 الحل يكمن في تطبيق الشرعية الدولية /2254/ والابتعاد عن الإقصاء والتهّميش وأعمال العنف هنا وهناك، فسوريا يجب أن تكون لكل السوريين دستورياً.

زر الذهاب إلى الأعلى