الضربات الأمريكية ضد الحوثيين… وتطوّرات الملف النووي الإيراني

د. أحمد سينو

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

شهدت منطقة الشرق الأوسط توتراً كبيراً بين إسرائيل والأذرع الإيرانية في لبنان وغزة، وكانت أمريكا هي التي تقف خلف الضربات الإسرائيلية على حزب الله وحماس، في حين كانت إيران هي الداعمة لكليهما، وقد امتدت الهجمات الإسرائيلية حتى إلى داخل إيران نفسها؛ حيث تمّ قتل اسماعيل هنية في مقر إقامته في طهران في الفترة الأخيرة من ولاية بايدن، ومن جهة أخرى استطاعت إسرائيل القضاء على حسن نصرالله وبعض قادته من خلال عملية أسفرت عن إضعاف قدرات حزب الله العسكرية وتراجعه الميداني والعسكري، كما أسفرت الهجمات الاسرائيلية على غزة عن تدميرها تدميراً شبه كامل بحثاً عن الرهائن المدنيين، وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل يحيى السنوار، ولاتزال العمليات الإسرائيلية مستمرة رغم القضاء على معظم قدرات حماس العسكرية ورغم التدمير الهائل الذي أصاب قطاع غزة، ولاتزال إسرائيل تبحث عن الرهائن معلنة أنّ عملياتها العسكرية لن تتوقّف حتى العثور على آخر رهينة من رهائنها لدى حماس، ويمكن القول أنّ الهجمات الاسرائيلية قد اشتدّت أكثر من السابق خاصة في عهد ولاية الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، حيث تُوّجَت تلك الهجمات بالقضاء على القوة العسكرية السورية وأدّت إلى سقوط نظام بشار الأسد؛ وبالتالي تم القضاء على نفوذ إيران وفصائلها في سوريا، خاصة في طريق الإمداد البرّي من مدينة البوكمال السورية عبر البادية إلى لبنان، والذي يمدّ حزب الله بالأسلحة والصواريخ، كما تم القضاء على النفوذ الروسي وتراجعت روسيا إلى قاعدة حميميم في الساحل السوري.

 لم تعد إيران تستطيع إخفاء أذرعها ولا التنكّر لأذرعها الأخرى المتمثلة بالمليشيات الحوثية في اليمن، والتي لاتزال مُسلَّطة على رقاب الشعب اليمني خاصة في صنعاء وصعدة والحُديدة التي تنطلق منها الصواريخ الإيرانية مهدّدة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس ومضيق باب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي، ورغم الهجمات البريطانية والإسرائيلية على الحُديدة؛ إلّا الضربات الحوثية لا تزال تشكّل تهديداً كبيراً للسفن الأمريكية والبريطانية والأوروبية والدولية، وتهدّد طرق الملاحة الدولية والتجارية لكافة دول العالم وبدعم إيراني، وذلك بحجة دعم محور المقاومة والقضية الفلسطينية، وهو ذات الزعم الحوثي لتبرير ضرباتهم ضدّ إسرائيل، وقد شهدت الأسابيع الماضية ضربات أمريكية أشد صرامة من الضربات السابقة في عهد ترامب، كجزء من استراتيجية أوسع تجاه إيران لتقويض نفوذها في المنطقة وتقليل حجم ونفوذ الضربات الحوثية على التجارة البحرية الدولية في البحر الأحمر، كما تسعى الولايات المتحدة للتقليل من دور الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، كما هو الحال مع الحشد الشعبي في العراق وتقليص النفوذ الإيراني في العراق، والحشد يبذل جهده لتجنّب الضربات الأمريكية أو التضييق على وضعه غير الدستوري وغير الشرعي في العراق، ويبدو أنّ الإيحاءات الإيرانية والرسالة الأمريكية قد وصلت إلى العراقيين والحكومة العراقية، لذا يحاولون شرعنة القوى الشيعية والفصائلية ووضعها في سياق قانوني ودستوري مع كتلة الإطار التنسيقي في العراق.

وبالعودة إلى الضربات الأمريكية ضدّ الحوثيين؛ فقد استهدفت تلك الضربات جماعات الحوثي في صنعاء وصعدة وزمار وغيرها، مستهدفة الصواريخ الحوثية ومقارّ قيادة جماعة الحوثي ومخازن سلاحه، وقد شكّلت تلك الضربات ضغطاً كبيراً على الحوثيين وإيران، لتسهيل دور وعمل الملاحة البحرية في الممرات الدولية في البحر الأحمر والتي سبق ذكرها، ويبدو أنّه من الأهداف الاستراتيجية لأمريكا منح قوة وزخم لإسرائيل للعلب دور جديد في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك دفع تركيا إلى التفاهم مع إسرائيل في المنطقة، خاصة في سوريا والعراق، وكذلك دفع تركيا للتفاهم حول القوى الوطنية الكردية المتحالفة مع قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، خاصة أنّ اسرائيل باتت ضرباتها مستمرة على مخازن الأسلحة والمطارات في سوريا، وتمنع تركيا من إقامة أيّة قواعد لها في وسط سوريا، وليس مُستبعداً أن يتم التفاهم بين الدولتَين الإقليميتَين على تقاسم مناطق النفوذ بين الجانبَين التركي والإسرائيلي، وقد تحاول إسرائيل اللعب بورقة الكرد وورقة الدروز في الوضع الداخلي في سوريا؛ في محاولة منها للضغط على حكومة دمشق الجديدة، برئاسة الشرع، للتوجّه لعقد اتفاقيات مع إسرائيل.

 وفي السياق السوري الداخلي؛ تلعب أمريكا دوراً محورياً مع قوى التحالف الدولي، بريطانيا وفرنسا، في مسألة التقارب الكردي -الكردي، وقد قاربت بين الطرفين في مجال وحدة الصف الكردي لتشكيل الوفد المفاوض مع حكومة دمشق الجديدة.

 ولعل السياسات الأمريكية الاستراتيجية في القضاء على مناطق التوتر والأزمات الدولية، مثل أوكرانيا وغزة وغيرها، قد دفعها عن طريق استخدام القوة أو الضغط الأقصى لدفعها إلى مفاوضات السلام وإنهاء الخلاف والأزمة الدولية، ولعلّ هذا هو ما تتّبعه مع إيران لدفعها للتفاوض حول الملف النووي الايراني، علماً أن ترامب نفسه قد انسحب من المفاوضات مع إيران حول الملف النووي عام 2018 م، وهذا النهج يبدو هو المتبع مع ايران، وفعلاً جلست إيران للتفاوض بطريقة غير مباشرة منذ أيام قليلة في سلطنة عمان مع الأمريكيين، ووُصفت هذه المفاوضات بالإيجابية، على أن تُستأنف بعد أيام في روما في السفارة العمانية، وهذا ما سوف نتابعه لاحقاً.

   وبطبيعة الحال؛ لن تتهاون أمريكا مع التهديدات الحوثية لمصالحها، خاصة تلك التي تهدّد السفن والطائرات الأمريكية؛ لأنّ أمريكا قد تعرّضت لخسائر كبيرة في سفنها وتجارتها، فقد تراجعت عمليات الشحن للحاويات الأمريكية عبر البحر الأحمر، والذي كان يشهد قبل الهجمات الحوثية عبور نحو 25ألف سفينة، وقد تراجع هذا العدد حالياً إلى نحو 10آلاف سفينة، وقد شملت السلع الأمريكية من السيارات والصادرات الزراعية وحاويات الشحن؛ وهو ما سبّب ضرراً كبيراً لقوى التحالف الدولي في الملاحة البحرية في التجارة عبر البحر الأحمر، ورغم محاولة العديد من الأطراف الدولية وضع حماية أمنية لتجارتها وسفنها لكن يبدو أنّ الأمر لم يأت بنتيجة، ورغم ذلك لم تتوقّف هجمات الحوثيين منذ أكثر من سنتين، ووصل عدد هجماتهم ضدّ السفن الأمريكية الحربية 174هجوماً، وعلى السفن التجارية 145هجوماً، بحجة التضامن مع الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل، كما تأتي الضربات الأمريكية ضدّ الحوثيين لتوجيه رسالة مفادها أنّ إيران قد تكون هي المستهدفة، خاصة أنّ أمريكا هي الوحيدة القادرة على اختراق عمق معامل ومصانع الملف النووي الإيراني، لما تمتلكه الولايات المتحدة من قنابل ضخمة خارقة تصل إلى عمق كبير للطبقات الأرضية، كما جرى عند اغتيال حسن نصرالله.

 ترغب أمريكا في الوقت الحالي إبطاء البرنامج النووي الإيراني، وإضعاف موقفها التفاوضي سواء في عمان /مسقط أو في روما في السفارة العمانية، وقد بدأت المناورات الإيرانية فعلاً عبر تصريحاتها الرسمية وغير الرسمية أنّها لا علاقة لها مع الحوثيين، وأنّ الحوثيين مستقلّون في قراراتهم السياسية والعسكرية، وبالتالي بدأت إيران تتنصّل من ذراعها الحوثي تحت ضغط الهجمات الأمريكية القوية التي تسمّى بالضغط الأقصى، وبالتالي تحاول تجنّب تكرار نفس السيناريو معها في العراق مع  الحشد الشعبي وفصائله في قادم الأيام، لذلك تعمد إلى شرعنة الحشد الشعبي ووضعه في سياق قانوني ودستوري، كما نوّهنا سابقاً.

  وتستطيع الولايات المتحدة تحقيق مكاسب كبيرة اقتصادية واستراتيجية من دول إقليمية هامة في جوار إيران، كما هو الحال مع دول الخليج ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية والإمارات وقطر والكويت، وتوجّه رسالة إلى إيران ودول الخليج بضرورة رفع أي معوّقات قادمة في مياه الخليج ومضيق هرمز، ومن التداعيات أيضاً أن يقود ذلك إلى هيمنة أمريكية مطلقة على طرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي بما فيه ممراته المائية ومضائقه وخلجانه؛ وهو ما من شأنه أن يدفع دول المنطقة قاطبة إلى المظلّة الأمريكية لتتعاون معها أمنياً واستخباراتياً، وهذا يسهّل خطط إسرائيل في تطبيق اتفاقيات إبراهام والتطبيع مع إسرائيل، خاصة الدول التي لم تدخل حيّز الاتفاق مع إسرائيل، مثل المملكة العربية السعودية وسوريا، التي هي في الطريق للتطبيع اقتصاديا واستراتيجياً.

  وبطبيعة الحال؛ فإنّ الضربات الأمريكية ضدّ الحوثيين ستؤثر على توازنات المنطقة من الناحية السياسية، وتدفع الجميع لترتيب أوراقهم السياسية، خاصة كل من إيران وتركيا، وربما تتغيّر التحالفات السياسية الداخلية في كل من إيران وتركيا وسوريا والعراق؛ حيث أن الوضع السوري لا يزال في حالة مخاض، فالحكومة هي حكومة مؤقتة، والإعلان الدستوري جاء مشوَّهاً حيث لا دستور حقيقياً يمثّل كافة المكونات من كرد وعلويين ودروز وسريان، ولا تزال اللغة الواحدة هي المفروضة على الجميع، ولايزال الدين الواحد والفقه الإسلامي الأوحد هو مصدر التشريع والدستور، ولا يزال الوضع الاقتصادي مهزوزاً وغير مستقر، ولا تزال كافة فئات الشعب في حالة ترقّب وانتظار ورفض، وبعضهم يطالب بالإنضمام إلى الادارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وسط سعي حثيث من قبل قوات سوريا الديمقراطية للعمل على تثبيت الاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي لجميع السوريين، وسوف نبقى ننتظر ما ستؤول إليه الأمور في قادم الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى