وزير الخارجية السوري في السعودية(تداعيات وتوقعات)

وصل فيصل المقداد وزير الخارجية السوري أمس الأربعاء إلى جدة في أول زيارة رسمية إلى السعودية بدعوة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ، بعد قطيعة بين الدولتين دامت أكثر من عقد من الزمن على خلفية الأزمة السورية ووقوف السعودية مع المعارضة السورية وتعليق عضوية الأخيرة من جامعة الدول العربية منذ 2012م .ولكن مستجدات وتغيرات كثيرة حدثت في منطقة الشرق الأوسط على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية ،والاتفاق السعودي الإيراني وبرعاية صينية ولقاءات الجانبين المتكررة في بكين العاصمة ، ودخول الصين نفسها حراك جديد لها في الشرق الأوسط لصياغة نوع جديد من العلاقات يقود للتهدئة ونزع فتيل العديد من الملفات ،كما يخلق حراكاً اقليمياً جديداً ينبأ بظهور قطب عالمي جديد . ببداية تقارب العملاقين الروسي والصيني وتعاون في الخفاء على المدى الاستراتيجي غير معلن عنه رسمياً. لتحاول الصين لعب دورها لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
عقدت الصين جملة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع السعودية و دول مجلس التعاون الخليجي سمح للدول الإقليمية العمل في المسار نفسه ،كالوساطات العمانية والإماراتية والعراقية التي تدخل في سياق هذه المتغيرات الإقليمية التي لعبت دورها في تهيئة ظروف هذه الزيارة السورية إلى السعودية إضافة إلى محاولات روسية لتحقيق التقارب تركي –سوري عبر زيارة الاسد إلى موسكو وإنجاز اللقاء الرباعي بين كل من نواب وزراء خارجية روسية وتركية وإيران وسورية الذي رغم عقباته لا يزال قيد الإنجاز وفي حالة مخاض بسبب شرط النظام السوري للانسحاب التركي من الشمال السوري والتخلي عن دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية المسلحة ،في خضم هذه الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية جاءت هذه الزيارة السورية الرسمية إلى المملكة العربية السعودية ، خاصة بعد كارثة الزلزال الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا والانفتاح الدولي والإقليمي على سوريا إنسانيا وتقديم المساعدات وتزايد هبوط الطائرات الإغاثية الدولية والعربية على مطار دمشق ورفع العقوبات الدولية مدة ستة أشهر عن سوريا وتصاعد وتيرة الحراك العربي تجاه دمشق ، لتعويم بشار الأسد ومحاولات إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وانطلق من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة ،وزيارة وزير الخارجية الأردني ومؤتمر البرلمانات العربية الذي عقد في بغداد بحضور الوفد البرلماني السوري ومن ثم زيارتهم لدمشق ،وزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق ،كل هذه الأجواء الإقليمية أفضت إلى هذه الزيارة السورية إلى جدة .والهدف من الزيارة كما أعلن عنه بذل الجهود للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية ،والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ،وتسهيل عودة اللاجئين السوريين ،وتسيير المساعدات للمناطق المتضررة ،كما تأتي زيارة المقداد وزير الخارجية السوري قبل انعقاد اجتماع لدول مجلس التعاون وبمشاركة كل من مصر والأردن والعراق يوم غد الجمعة المصادف في الرابع عشر من نيسان، في محافظة جدة لبحث عودة سوريا لجامعة الدول العربية. ويبدو أن العلاقات القنصلية قد عادت بين الجانبين أو أنها في طور الإعداد لها في كل من الرياض ودمشق، ويبرز هذا التقارب أكثر في ظل الاتفاق السعودي الإيراني ومحاولات تركيا الانفتاح تجاه دمشق كما نوهنا سابقاً.
كما يجري الحديث عن دعوة الرئيس السوري لحضور القمة العربية المزمع عقدها في الرياض ، في شهر أيار القادم والملاحظ أن معظم الدول العربية ساعية إلى عودة العلاقات مع سوريا في ظل نظام بشار الأسد عدا دولة قطر التي أعلنت أن موقفها لم يتغير وهو مرهون بالإجماع العربي كما هو مرهون بتحقيق تغيرات حقيقية على الواقع السوري ويتشابه الموقف المغربي والكويتي مع الموقف القطري ويتوافق مع الموقف الأمريكي والأوربي الذي يرفض التطبيع مع النظام السوري ما لم يتحقق تطبيق القرار الاممي 2254لوضع حد للازمة السورية ، وربما يعود الموقف المغربي من مساندة النظام السوري والجزائري من الوقوف إلى جانب جبهة البوليساريو التي تطالب بحق تقرير المصير في رقعتها الصحراوية .أما دولة الكويت فهي حذرة بسبب الأوضاع الداخلية والاقتصادية وتنتظر بدورها الإجماع العربي والإقليمي وربما الدولي فهي لم تعد تهتم بالقضايا العربية وأزماتها خاصة بعد ما عانته من العرب بعد اجتياح صدام لأراضيها وتحريرها من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
أي كان الأمر بشأن الوضع السوري ، وحتى عودته إلى الجامعة العربية وحتى لو كسرت العزلة العربية عنه ، فإن النظام السوري من المرجح أنه لن يتعافى ، ولن يعود إلى ما قبل 2011م قبل اندلاع الأزمة السورية ، فروسيا متواجدة في الساحل وفي الغرب السوري وإيران متواجدة ومتوغلة في معظم المدن السورية وقواعدها وفصائلها منتشرة حتى دير الزور وألبو كمال وتتعرض بشكل شبه يومي للغارات الإسرائيلية فالعملية السورية في حالة مخاض عسير وتنتظر تسوية حقيقية متوافقة مع القرار الدولي والأممي 2254 وما يحدث من هجمات إيرانية على بعض المواقع الأمريكية إلا مناكفات مؤقتة لا تأتي ثمارها كما جرى منذ أيام من هجمات مسيرات تركية على مطار السليمانية ، مستهدفة الجنرال مظلوم عبدي الذي كان برفقة بعض من قوات التحالف الدولي وتدخل في سياق من الدعاية الانتخابية والإعلامية لصالح أردوغان، هذا من جهة ومن جهة أخرى ماذا يتحقق للشعب السوري ومكوناته الذي خسر مئات الألوف من الضحايا وملايين من المهجرين في أوروبا وتركيا ولبنان والدول المجاورة الأخرى وفي العالم وماذا عن أراضيه التي احتلت وتعرضت لتغيير ثقافي وديموغرافي وبشري في ادلب وعفرين وشمال حلب وتل أبيض ورأس العين وغيرها، ثم ماذا عن شرق الفرات والإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرقي سوريا أين هي من كل ما يجري إقليميا ودوليا ، عليها تعزيز الدبلوماسية الكردية محليا وإقليميا ودوليا وتحريك الشارع العربي والدولي وإحداث خرق ايجابي في العلاقات واللعب على الأوراق المتاحة لتحقيق الأهداف الوطنية لكل المكونات في شمال شرقي سوريا .