الرئيس الشرع والانفتاح على الخارج دون الداخل
د. مرشد اليوسف

المقالة تعبر عن رأي الكاتب
إذا ما استمر الرئيس أحمد الشرع في التركيز على الانفتاح على الخارج دون أن يخطو خطوات فعلية تجاه المكوّنات الداخلية، فحينئذ سيخلق فجوة خطيرة بين السلطة والشعب، خاصة بين الفئات التي عانت تاريخيًا من التهميش؛ وإذا لم تتم معالجة المشاكل الداخلية فستعود البلاد إلى نفس المآزق التي سادت في عهد البعث؛ حيث كانت السلطة معزولة عن واقع المجتمع.
إنّ أي رئيس جديد في سوريا يحتاج إلى شرعية داخلية قوية، وليس فقط لاعتراف دوليّ؛ وإذا شعر الناس بأنّهم خارج الحسابات فإنّهم قد يتّجهون إلى خيارات أخرى؛ بما في ذلك المعارضة أو حتى التصعيد؛ فتهميش المكوّنات الداخلية، خاصة الأقلّيات القومية والدينية، قد يؤدي إلى شرخ اجتماعي يُعيد البلاد إلى صراعات هوياتية خطيرة، والمجتمع السوري المتنوّع يحتاج إلى إجراءات فعلية تضمن حقوقه وليس مجرّد وعود، وإذا استمر الشرع في التركيز على الخارج أكثر من الداخل، فإنّه قد يجد نفسه في مواجهة غضب داخليّ يصعب احتواؤه لاحقًا.
إذاً؛ ما هو الحل؟
بدايةً؛ يجب على الرئيس الشرع أن يدرك أنّ الاعتراف الدولي وحدَه غير كافٍ، وعليه أن يدرك أيضاً أنّ ضمان وحدة واستقرار البلاد يتطلّب خطوات جريئة باتّجاه الداخل؛ مثل إجراء حوار وطنيّ حقيقيّ يضمّ جميع المكوّنات وليس مجرّد شكليات. وتطبيق قرارات فعلية بشأن اللامركزية وحقوق الأقلّيات، بدلًا من المماطلة. وإجراء إصلاحات سياسية ودستورية تعكس التعدّدية السورية. وضمان تمثيل حقيقيّ لكل المكوّنات في السلطة، وليس مجرّد تعيينات رمزية.
وإذا لم يتدارك الرئيس الشرع هذه الأمور فسيجد نفسه في مواجهة سيناريوهات غير مألوفة من التوتّر والانقسام؛ ما يعني أنّ التغيير لن يكون حقيقيًا، بل مجرّد استبدال أسماء بأخرى لا أكثر ولا أقلّ.
ولكن؛ ماهي طبيعة الانفتاح السوري الخارجي وما هي أسبابه؟
يبدو أنّ الرئيس أحمد الشرع يسير على خطى التركيز على الشرعية الدولية قبل ترتيب البيت الداخلي؛ وهذا قد يكون نابعًا من عدّة عوامل، فرغم أهمية الانفتاح الخارجي إلّا أنّ التركيز المفرط عليه على حساب الداخل قد يؤدّي إلى نتائج كارثية، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، خاصة أنّ المكوّنات الداخلية تحمل إرثًا من التهميش؛ فالكرد والسريان والعلويون والدروز وغيرهم من الأقلّيات القومية والدينية لديهم تاريخ طويل من التمييز والتهميش خلال حكم البعث، وأيّ إهمال لمطالبهم سيُفسّر على أنّه استمرار لنفس النهج القديم؛ وهو ما سيؤدي إلى رفضهم لأي وعود مستقبلية.
صحيح أنّ المعارضة الداخلية ليست موحدة لكنّها تراقب، وهناك فصائل سياسية وشعبية داخل سوريا – وعلى رأسهم الكرد – لن تقبل باستمرار تجاهل حقوقها، وإذا ما شعرت تلك المكوّنات بأنّ التغيير لم يكن جوهريًا، فإنّها قد تتّجه إلى تصعيد مواقفها، سواء من خلال المطالبة بتعديلات جذرية أو حتى اللجوء إلى أساليب الضغط الشعبي، وإذا لم يتعامل الرئيس الشرع مع قضايا اللامركزية وحقوق المكوّنات بشكل جدّي، فستشعر المناطق المختلفة – خاصة شمال وشرق سوريا – بأنّها عادت إلى دائرة القمع المركزي؛ وهو ما سيؤدّي إلى توتّرات كبيرة قد تصل إلى المواجهة السياسية وربما العسكرية، واذا استمرت الحكومة السورية في التركيز على العلاقات الخارجية دون الداخلية فسيزداد الشعور بالخذلان داخل البلاد، وتتشكّل جبهة معارضة جديدة من قوى لا ترضى بالوضع؛ ممّا سيعيد الاستقطاب الداخلي، وسيؤدي هذا بدوره لفقدان الرئيس الشرع لدعمه الداخلي، حتى لو حصل على دعم دولي.
وإذا لم يتّخذ الشرع خطوات واضحة تجاه الأقلّيات واللامركزية، فإنّ بعض المناطق قد تشهد حِراكًا سياسيًا أو حتى احتجاجاتٍ تطالب بإصلاحات حقيقية؛ وقد تؤدّي هذه الاحتجاجات إلى مطالبات أكبر بالحكم الذاتي والفيدرالية في بعض المناطق، وإذا استمرت الفجوة الداخلية فإنّ القوى الإقليمية (تركيا، إيران، إسرائيل وغيرها) قد تجد فرصة للتدخّل بطرق مختلفة؛ إمّا عبر دعم قوىً معارِضة أو من خلال التأثير على المشهد السياسي عبر وكلاء محلّيين.
وإذا لم يستطع الرئيس الشرع تحقيق توازن بين الداخل والخارج فقد يجد نفسه في مواجهة أزمات سياسية متلاحقة داخل حكومته؛ ممّا قد يؤدّي إلى ضعف حكمه أو حتى استبداله من قبل قوىً أخرى ترى أنّه لم ينجح في تحقيق التغيير المطلوب، ولكي يتجنّب الشرع هذه السيناريوهات المحتمَلة ينبغي عليه أن يسير في نهج متوازن بين الداخل والخارج؛ وذلك عبر الإعلان عن خارطة طريق واضحة للمكوّنات الداخلية تتضمّن إصلاحات سياسية وقانونية ملموسة، ومن ثم بدء حوار وطنيّ جادّ مع القوى الفاعلة في البلاد، وليس فقط مع الشخصيات المقرّبة من الحكومة، وينبغي كذلك إقرار التعديلات الدستورية التي تضمن اللامركزية بحيث لا يشعر أي مكوّن بأنّه تحت رحمة المركزية المطلَقة، كما يجب ضمان تمثيل حقيقيّ للأقلّيات في الحكم وليس فقط منحهم مناصب رمزية بلا تأثير فعليّ، وعلى الشرع أيضاً موازنة العلاقات الخارجية بحيث لا تأتي على حساب الداخل؛ لأنّ الدعم الدولي وحده لن يكون كافيًا إذا ما انهار الداخل.
أمّا إذا استمر الرئيس أحمد الشرع في إعطاء الأولوية للخارج دون معالجة القضايا الداخلية الحاسمة فإنّه سيعيد إنتاج نفس الأخطاء التي وقع فيها النظام السابق؛ وهو ما سيؤدّي إلى خلق حالة استقطاب خطيرة قد تنتهي بتفكّك البلاد أو عودة الأزمات السياسية إلى نقطة الصفر؛ فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل عادةً، وإذا لم يدرك الرئيس ذلك في الوقت المناسب، فإنّه قد يصبح مجرّد واجهة جديدة لنفس السياسات القديمة؛ وهو ما سيؤدي إلى نتائج كارثية على المدى الطويل.