وسط صراع النفوذ الجديد وحتمية حل القضية الكردية هل تركيا بديل لإيران في سوريا؟

وليد الشيخ

منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، لعبت إيران دوراً حاسماً في دعم نظام بشار الأسد، ممّا سمح لها بترسيخ نفوذها العسكري والاقتصادي والسياسي في البلاد، ومع ذلك؛ فقد تعرّض النفوذ الإيراني لضغوط متزايدة نتيجة العقوبات الاقتصادية، والهجمات الإسرائيلية المتكرّرة على مواقعها العسكرية في سوريا، وكذلك تزايدت الضغوط الدبلوماسية الدولية عليها. وفي المقابل؛ بدأت تركيا بتعزيز وجودها داخل سوريا من خلال تدخّلاتها العسكرية المباشرة، ممّا جعلها فاعلاً رئيسياً في المشهد السوري، لكن السؤال الأهم اليوم: هل يمكن أن تحلّ تركيا محلّ إيران في سوريا؟ ولو افترضنا حدوث ذلك؛ فما هي التداعيات المحتملة على مستقبل البلاد؟

النفوذ التركي… من دعم المعارضة إلى التوغّل العسكري

منذ بداية الأزمة السورية تبنّت تركيا سياسة تقوم على دعم الفصائل المسلّحة المناهضة للنظام السوري، معتقِدة أن سقوط الأسد سيخلق نظاماً صديقاً لها، ومع تعقّد الصراع واستمرار النظام السوري في الحكم، تكيّفت السياسة التركية، فاتّجهت نحو تعزيز وجودها العسكري في الشمال السوري، متذرّعة بحماية أمنها القومي من التهديد الكردي المتمثّل في وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

    شهدت السنوات الماضية عدّة عمليات عسكرية تركية في سوريا، احتلّت من خلالها أراضٍ سورية، مثل تلك العملية التي سمّتها “درع الفرات” (2016)، و”غصن الزيتون” (2018)، و”نبع السلام” (2019). لم تقتصر هذه العمليات على استهداف الكُرد فحسب، بل عزّزت أيضاً نفوذ الفصائل المسلّحة الموالية لأنقرة؛ ممّا أدّى إلى تشكيل إدارة تركية غير رسمية في المناطق التي تسيطر عليها، وعلى سبيل المثال، فقد تم إدخال الليرة التركية في التداول، وتأسيس مدارس ومؤسسات خدمية تتبع النظام التركي، فيما يعتبره بعضهم سياسة “تتريك” تهدف إلى دمج هذه المناطق ضمن النفوذ التركي طويل الأمد.

مقارنة بين النفوذَ (الإيراني والتركي)

على الرغم من أنّ إيران وتركيا تتنافسان على النفوذ في سوريا، إلّا أنّ أساليب كل منهما تختلف جوهرياً في النقاط التالية:

النهج الأيديولوجي: تعتمد إيران على نشر الأيديولوجيا الشيعية من خلال دعم الميليشيات الموالية لها، بينما تستخدم تركيا الجماعات السُّنّية كأداة لنفوذها.

الوجود العسكري: تستند إيران إلى ميليشيات مثل “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني”، بينما تعتمد تركيا على الجيش التركي مباشرةً والفصائل المسلّحة المتحالفة معها.

السيطرة الإدارية: تسعى إيران إلى دمج حلفائها ضمن مؤسسات الدولة السورية، بينما تعمل تركيا على إنشاء كيانات إدارية محلّية مرتبطة بها اقتصادياً وسياسياً.

مخاطر النفوذ التركي في سوريا

تقويض السيادة السورية: لم تُخفِ أنقرة نيّتها في السيطرة على الشمال السوري؛ حيث بدأت بتنفيذ سياسات تهدف إلى فرض وجود طويل الأمد، سواء عبر إعادة توطين اللاجئين السوريين أو عبر التأثير الثقافي والاقتصادي.

الصِدام مع الكرد: يشكّل النزاع التركي-الكردي عقبة رئيسية أمام أي استقرار مستقبليّ في سوريا؛ حيث تعتبر تركيا القوات الكردية تهديداً لأمنها القومي، بينما تسعى هذه القوات إلى تحقيق الاعتراف بحقوقها السياسية والإدارية والثقافية.

التنافس مع القوى الدولية: يضع التدخّل التركي أنقرة في مواجهة مباشرة مع قوى أخرى، مثل روسيا وإيران وحتى الولايات المتحدة، وإسرائيل على وجه الخصوص؛ ممّا يعقّد إمكانية التوصّل إلى تسوية سياسية شاملة.

احتمالات التوسّع التركي: هناك مخاوف من أنّ تركيا لا تخطّط للانسحاب من سوريا في المستقبل القريب، بل تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي ضمن إطار سياسة تركية توسّعية طويلة الأمد.

القضية الكردية مفتاح الاستقرار الإقليميّ

من ضمن جميع القضايا التي تعيق حلّ النزاع السوري، تبقى القضية الكردية هي الأكثر تعقيداً وتأثيراً على مستقبل سوريا والمنطقة عموماً، فالكرد، الذين يشكّلون جزءاً كبيراً من سكان شمال وشرق سوريا، لعبوا دوراً رئيسياً في محاربة تنظيم داعش، وحصلوا على دعم دولي، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك؛ فإنّ وضعهم القانوني والسياسي داخل سوريا لا يزال غير واضح، حيث يواجهون رفضاً من النظام السوري ومن تركيا على حدّ سواء.

     تركيا، التي تعتبر أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي تهديداً لأمنها، قامت بعدّة عمليات عسكرية لمنع الكرد من ترسيخ كيان مستقلّ في شمال وشرق سوريا، وتسعى دوماً لإجهاض مشروع الأمة الديمقراطية الذي يقوّض أي حكم استبدادي؛ إلّا أنّ هذه السياسة لم تؤدِ إلّا لمزيد من التعقيد للأزمة.

    إنّ عدم إيجاد حلّ القضية الكردية لا يشكّل خطراً على سوريا وحدها، بل على المنطقة بأسرها؛ فاستمرار الصراع التركي- الكردي يمكن أن يؤدّي إلى:

  • تصعيد عسكري مستمرّ في شمال سوريا، ممّا يعيق جهود إعادة الإعمار.
  • تقويض فرص التوصّل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية.
  • تأجيج صراعات جديدة تمتدّ إلى العراق وتركيا وإيران؛ حيث يوجد شعب كردي يطالب بحقوقه.

    إلى جانب القضية الكردية؛ تظلّ القضية الفلسطينية أيضاً عاملاً مؤثّراً في سياسات القوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا؛ فعلى الرغم من أنّ أنقرة تقدّم نفسها كمدافع قويّ عن الحقوق الفلسطينية، إلّا أنّ تدخّلاتها في سوريا قد ساهمت في خلق مزيد من الانقسامات داخل العالم الإسلامي؛ ممّا أضعف الموقف العربي والإسلامي الموحّد تجاه القضية الفلسطينية.

      علاوة على ذلك؛ فإنّ استمرار الخلافات الإقليمية بين تركيا وإيران والسعودية ومصر يعيق إمكانية تشكيل جبهة موحّدة ضدّ التهديدات الخارجية، ويزيد من تعقيد الأوضاع في سوريا وفلسطين على حدّ سواء.

 تركيا ليست بديلاً عن إيران بل منافس جديد

في الوقت الذي تراجع فيه النفوذ الإيرانيّ بشكل واضح في سوريا بسبب الضغوط الخارجية، تسعى تركيا إلى ملء هذا الفراغ، ولكن بأسلوب مختلف وأجندة خاصة بها، ورغم أنّ هناك مَن يعتقد أنّ النفوذ التركي أقلّ خطورة من النفوذ الإيراني، إلّا أنّ الحقيقة هي أنّ لكلٍّ منهما مشروعه الخاص الذي يهدّد مستقبل سوريا.

     إنّ ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مزيداً من التدخّلات الإقليمية، بل استعادة سيادتها الوطنية وإيجاد حلول عادلة للقضايا العالقة، وعلى رأسها القضية الكردية؛ فبدون إيجاد حلّ شامل وعادل للقضية الكُردية، سيظلّ الشمال السوري نقطة اشتعال دائمة، ممّا يمنع تحقيق أي استقرار طويل الأمد.

لذا؛ يجب أن يكون حلّ القضية الكردية جزءاً أساسياً من أيّة تسوية سياسية في سوريا، ليس فقط لضمان حقوق الكُرد، وإنّما أيضاً لضمان وحدة البلاد ومنع تفكّكها بفعل التدخّلات الخارجية المتزايدة.

زر الذهاب إلى الأعلى