الانتخابات التشريعية في جنوب كردستان

حراك داخلي أم تغيّرات إقليمية؟

جرت في 20 أكتوبر انتخابات تشريعية لبرلمان جديد في إقليم كردستان، للمرة السادسة، تلك الانتخابات المؤجّلة منذ 2022م؛ حيث أعلنت وقتها المحكمة الاتحادية العليا بطلان قانون تمديد برلمان كردستان الذي أُقرّ في أكتوبر 2022م.

وتأتي هذه الانتخابات وسط صراعات داخلية حزبية خاصة بين الحزبين الكبيرين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طلباني، على خلفية الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الإقليم والتي أثّرت بدورها على معيشة السكان الذين يعانون من الفساد والبطالة والغلاء وعدم تنظيم الرواتب وعدم استلامها لشهور عديدة. وسط تدخّلات إقليمية حادّة بين الحين والآخر من قبل تركيا التي تحتلّ الكثير من المواقع في جنوب كردستان تمتد حتى مدينة دهوك وأراضي شنكال، ومن قبل إيران التي تقوم بتوجيه ضربات ضدّ أربيل ومناطق أخرى بحجّة وجود أحزاب معارضة إيرانية تهدّد أمن الحدود بين جنوب كردستان وإيران، والتي كانت سببًا لزيارة الرئيس الإيراني لبغداد ومن ثم لأربيل والسليمانية، والتي أعلن فيها عقد الكثير من الاتفاقات التجارية والاقتصادية، لكن من المرجّح أنّ الزيارة كانت لأسباب أمنية، كما تم تبادل العديد من الزيارات بين الرئيس التركي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من أجل المياه والسيادة، ومن أجل وقوف العراق وإقليم كردستان مع تركيا في حربها ضدّ قوات التحرّر الكردية في مناطق الدفاع المشروع، هذه القوات التي تدافع عن المدنيين والسكان الآمنين، وتعمل على استقرار المنطقة بما يضمن حقوق الشعب الكردي، نافية عنها كلّ التّهم التي تتعلّق بالإرهاب بل داعية إلى إحلال السلام والاستقرار في عموم الشرق الأوسط.

الحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران وأثرها:

جرت الانتخابات وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله (الذراع الأقوى لإيران في الشرق الأوسط) على خلفية مقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله ومعظم قيادته العسكرية والأمنية، ومقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران؛ الأمر الذي أثار القلق لدى السلطات الإيرانية التي رفعت شعار وحدة الساحات ومساندة الحركة، معلنة عدم فكّ الارتباط، وسارت جبهة الحوثيين على هذا المنوال بتوجيه صواريخ إلى إسرائيل وساندتها مسيّرات عراقية من فصائل الحشد التي تسير ضمن محور إيران، التي تتربّص بالإقليم من حين إلى آخر بضربات من القوات الإيرانية ومساندة فصائل الحشد التي تتّهم حكومة الإقليم بالتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية ومن ثم الولايات المتحدة الامريكية، وتفصلنا أسابيع قليلة عن الانتخابات الأمريكية التي سوف تفرز الرئيس الجديد، وسوف نرى بشكل ملموس التغيّرات القادمة في الشرق الأوسط؛ حيث ستخبو قوة الفصائل التي تقاتل بالوكالة، وتضعف أذرع إيران في لبنان، وسوف يطبّق القرار 1701 ويُعاد الجيش اللبناني إلى حدود لبنان مع إسرائيل، وتُقلّم أظافر حزب الله والحشد الشعبي في العراق، ويتحسّن وضع إقليم كردستان وتُحلّ الكثير من المسائل الداخلية العالقة بين بغداد وأربيل، وكذلك بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وأيضاً مع المحكمة الاتحادية في بغداد والمفوضية العليا للانتخابات.

كلّ هذه التجاذبات استعدّت لها إيران؛ من خلال تعيين بزشكيان وزياراته المكوكية إلى الأمم المتحدة والجمعية العمومية وإلى موسكو ولقاء الرئيس الروسي بوتين، وعقد الكثير من الاتفاقيات والصفقات وتحسين العلاقات مع الجوار؛ بقصد إحياء مفاوضات الملف النووي الإيراني، ورفع العقوبات الاقتصادية على إيران، والإفراج عن المليارات الإيرانية المجمّدة.

المساعي الإيرانية مستمرّة ومفاوضتها مستمرّة بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة الامريكية ومع إسرائيل؛ عن طريق وسطاء أو من تحت الطاولة عن طريق الاستخبارات، وهذا ما يفسّر تأخّر الردّ الإسرائيلي الذي قد يكون مشروطًا بأن يكون من خلال ضرب الموانئ والمطارات والمنشآت الصناعية؛ بحيث لا تطال المنشآت النفطية  والمفاعلات النووية الإيرانية القابعة تحت السلاسل الجبلية، ومن المرجّح أن تُقدِم إيران على بعض الإصلاحات الداخلية الاقتصادية والمعيشية، وربّما السياسية لكلّ من الكرد والعرب والبلوش والأذريين في سياق المتغيّر القادم الإيراني.

خلاف داخلي بين بغداد وأربيل بشأن الانتخابات:

أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاطعته للانتخابات قُبَيل إجرائها؛ وكان ردّاً على قرار المحكمة الاتحادية الصادر في فبراير 2024م، والذي تم فيه إلغاء 11 مقعداً مخصّصاً للأقليات ومنهم الآشوريون والتركمان، وبالتالي؛ تراجُع مقاعد برلمان كردستان إلى 100 مقعد، كما ألغى العمل بنظام دائرة انتخابية واحدة واستبدلها بنظام دوائر انتخابية عدّة؛ بحيث قسّم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية، وأمام إصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على مقاطعة الانتخابات تمت بعض التعديلات بإصدار قرار جديد في مايو أيار 2024م بإعادة خمسة مقاعد للأقليات كنوع من التراضي لحل الخلاف بين أربيل وبغداد مقابل إجراء انتخابات جديدة حالية لاختيار برلمان جديد، والذي بدوره يختار رئيسًا للإقليم خلفاً لنيجيرفان برزاني، وسوف تخضع الانتخابات وللمرة الأولى لإشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والدوائر الانتخابية هي التالية: أربيل 34 مقعدًا، والسليمانية 38 مقعداً، ودهوك 25مقعداً، وحلبجة 3 مقاعد، إضافة إلى 84 مقعداً للمستقلّين، ومن الجدير بالذكر حالة الصراع والتنافس الموجودة بين الأحزاب الكبيرة في الإقليم، ولعلّ أبرزها حالة الصراع على السلطة بين العائلة البرزانية نفسها بين كل من نيجيرفان برزاني من جهة ومسرور برزاني الذي يمتلك نفوذًا كبيرًا في الحزب وبين العشائر الموالية من جهة أخرى، بينما سلطة نيجيرفان تكاد تكون رسمية ورمزية بروتوكولية، رغم خبرته في العلاقات الدولية والدبلوماسية وإظهاره براعة في تقريب وجهات النظر مع حكومة بغداد، ويُساق الأمر ذاته على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وزعيمه بافل الطالباني في صراعه مع ابن عمّه لاهور جنكي الذي انشقّ عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2021م وأسّس حزب الشعب، ويتمتّع لاهور جنكي بقاعدة شعبية كبيرة في السليمانية؛ الأمر الذي قد يؤدّي إلى تغيّر الخارطة السياسية في الإقليم، وربما يكون فعلا برلمانًا جديدًا وبمتغيّرات وتوجّهات جديدة تتعاطى مع المتغيّرات الدولية والإقليمية وحتى الداخلية.

أحزاب كردية جديدة:

تشير خارطة الانتخابات الجديدة في جنوب كردستان إلى وجود عدّة تغيّرات قد تطال حركة الفائزين في الانتخابات، وظهور أحزاب كردية جديدة تلعب دوراً مميّزاً في الحركة السياسية للإقليم، وتستجيب للمطالب الشعبية أكثر من الحزبين الكبيرين التقليديين اللذَين  فشلا  في حلّ المشاكل الاقتصادية العالقة، ومن الأحزاب التي تلعب دوراً أو يُتَوقّع منها ذلك هما حزب الموقف، وحركة الجيل الجديد، اللذَين لهما دور بارز وناشط على المنصّات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي، كما أنّ هناك مجموعة من الأحزاب ذات المنشأ الديني؛ مثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني وجماعة العدل الكردستانية والحركة الإسلامية، والتي نجح بعضها في الحصول على مقاعد في البرلمان الاتحادي في بغداد.

تأثير الانتخابات على الإدارة الذاتية الديمقراطية:

في ظلّ المتغيّرات القادمة في الشرق الأوسط، وفي ظلّ مفرزات حرب إسرائيل وحزب الله ومن ورائها إيران، وتدمير غزة وحماس، ومن ثم تراجع الحشد والحوثي، وقدوم الرئيس الإصلاحي في إيران، وانتخابات برلمان كردستان؛ فإنّه من المتوقّع أن تتحسّن العلاقات بين الإدارة الذاتية والإقليم على الصعيد الاجتماعي والسياسي والتجاري أكثر من ذي قبل، وأن تتراجع الهجمات التركية والإيرانية على جنوب كردستان، وأن يحصل انفراج وانفتاح على الإدارة الذاتية الديمقراطية، ومن المتوقّع أيضاً حدوث انفتاح أكبر من قبل النظام السوري على الإدارة في شمال شرقي سوريا، وأن تتراجع الأمواج المتلاطمة في الوضع السياسي ويعمّ الهدوء النسبي تجاه أوضاع اللاجئين، وتتراجع الضربات الإيرانية وفصائلها على مواقع النفط وعلى القواعد الأمريكية، ويحدث نوع من الانفراج لحلّ الأزمة السورية بعد نجاح أحدهم في الانتخابات الأمريكية، ويُصاغ نوع من التوازن الجديد في الشرق الأوسط وسوريا ولبنان، وفي فلسطين باتجاه الاعتراف بحلّ الدولتَين، ويتم الاعتراف دولياً بالإدارة الذاتية عبر تنشيط اللجنة الدستورية ومشاركة الجميع، و”إنّ غداً لناظره لقريب”.

زر الذهاب إلى الأعلى