إلى أين تتّجه الأحداث في سوريا؟

لا يمكن فصل الأزمة السورية وما يجري الآن عمّا يحدث في العالم وبالأخصّ في أوكرانيا، ولا يمكن فصله عن الدور الإسرائيلي وإضعاف الأذرع الإيرانية في لبنان وسوريا بعد القضاء على حركة حماس كسلطة في غزة.
إنّ ما يحدث في سوريا الآن من تقدّم هيئة تحرير الشام، ومعها مرتزقة تركيا، وسيطرتها على مدينة حلب بالكامل وعلى كامل إدلب وعلى الطريق الدولي وعلى المواقع الاستراتيجية كمدينة سراقب ومعرّة النعمان، والتوجّه نحو ريف حماه وحمص، دون مقاومة من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية، أو تدخّل الطيران الروسي الذي يمكن القول أنّه خجول لوقف تقدّم الهيئة، لم يكن متوقّعاً من جهة تقدّم هيئة تحرير الشام وفصائل مرتزقة تركيا بهذه السرعة والسيطرة على حلب من دون أي تدخّل لوقف هذا الهجوم الإرهابي، بل يمكن القول أنّ ما حدث في الشمال السوري ما هو إلّا انسحاب واستلام من دون أي مواجهة. إنّ ما يحدث الآن لا يشبه فترة سيطرة الفصائل المسلّحة على حلب أو حتى عند تحريرها من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية عام 2016م؛ حيث حدثت آنذاك معارك طاحنة بين الطرفَين وتفاهمات انتهت بعودة النظام إلى حلب. إذاً؛ ما هي الأسباب التي ساعدت هيئة تحرير الشام على التقدّم بهذه السرعة للسيطرة على مساحات كبيرة في الشمال السوري؟ وإلى أين تتّجه الأحداث في سوريا؟
الوضع الإقليمي قُبَيل عملية ما تُسَمّى بـ”ردع العدوان” التي نفّذتها هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة”:
إنّ ما يحدث في سوريا مرتبط بالوضع الدولي والإقليمي؛ كونها تضمّ القوى العظمى المتصارعة “الولايات المتحدة وروسيا” والدول الإقليمية ذات المشاريع والأطماع الاستعمارية “تركيا وإيران” وإسرائيل التي بدأ دورها المباشر في المنطقة بعد السابع من أكتوبر.
الوضع الدولي: وهنا يمكن ربطها بالحرب الروسية – الأوكرانية، وبقيام الولايات المتحدة بالتوقيع على اتفاق لمنح كييف صواريخ باليستية لضرب العمق الروسي، وبموافقة فرنسا أيضاً على دعم كييف بتلك الأسلحة للدفاع عن نفسها، وبالردّ الروسي بقيام بوتين بتغيير العقيدة النووية، إلى جانب قيام تركيا بتزويد أوكرانيا بالمسيّرات؛ وهو ما أدّى إلى تفاقم الوضع في أوكرانيا، ونظراً لوجود كلّ روسيا والولايات المتحدة في سوريا فلا بدّ من تأثير ما يحدث في أوكرانيا على الأزمة السورية.
الوضع الإقليمي: وهو ذو تأثير أكبر على ما يجري في سوريا، حيث تمرّ المنطقة بأحداث كبيرة بعد السابع من أكتوبر وحرب إسرائيل على قطاع غزة، ومن ثم لبنان وظهور الدور الإسرائيلي المباشر في المنطقة والذي يقوم على إنهاء أو إضعاف النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان بهدف حماية ما يُسمّى بأمنها القومي. وقد ترافق الحدث مع وصول حزب الله وإسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كما أنّ الهدف الإسرائيلي يقوم على إضعاف إيران في سوريا ولبنان.
المواقف الدولية تجاه ما يحدث في الشمال السوري:
إنّ ما يحدث في سوريا لم يكن متوقّعًا، على الأقل من ناحية التقدّم السريع لفصائل هيئة تحرير الشام وفصائل مرتزقة الأتراك، وحتى من ناحية المواقف الدولية والإقليمية؛ فكلّ الدول الإقليمية والدولية تنفي ضلوعها فيما يحدث في الشمال السوري، لكنها تبدو راضية عن ذلك أو أنّها تدعم الفصائل الإرهابية لتنفيذ مخطّطاتها في المنطقة، وخصوصاً دولة الاحتلال التركي التي تنفي – على حدّ زعمها – أي ضلوع لها في الهجوم، وتبدي أنّها لا تؤيّده، بل ومارست الضغوط لمنع هيئة تحرير الشام من القيام بتلك العملية، إلّا أنّ الواقع يبدو عكس ذلك؛ فجميع تلك الفصائل مدعومة من قبل تركيا التي كانت تحلم باحتلال حلب، وتدّعي أنّ حلب جزء رئيسي من الميثاق الملّي، وتطمع بالسيطرة على تل رفعت ومنبج وعلى كامل الشريط الحدودي وإنهاء الإدارة الذاتية ومشروع الأمة الديمقراطية. كما أنّ دخول مرتزقة تركيا إلى حلب جاء برضى الولايات المتحدة، وقد يكون لإرضاء دولة الاحتلال التركي مقابل انخراطها أكثر في الملفّ الأوكراني.
الوضع العسكري في سوريا:
لا يمكن المقارنة بين سيطرة الفصائل الإرهابية على حلب ومن ثم تحريرها آنذاك من قبل قوات النظام والميليشيات الإيرانية وبدعم جوي روسي، وبين ما يحدث الآن من انسحاب وتسليم المناطق للجماعات الإرهابية.
فسابقاً؛ كان هناك تنسيق كبير بين إيران وروسيا لتحرير المناطق من الجماعات الإرهابية (روسيا من الجوّ وإيران وقوات النظام على البر)، أمّا اليوم فلا وجود لمثل هذا التنسيق؛ وذلك لوجود خلافات بين روسيا وإيران حول القرار السياسي في دمشق، وروسيا كانت تعمل على إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، والسماح لإسرائيل بضرب القواعد الإيرانية ومخازن أسلحتها إلى جانب استهداف إسرائيل قادة إيران ومستشاريها في سوريا في سوريا؛ وهو ما خلق نوعًا من الضعف لدى النظام، فقوات النظام لا يمكن أن تبسط سيطرتها على الجغرافية السورية التي يسيطر عليها النظام والتي تقارب 65% من مساحة سوريا، كما أنّ قيام إسرائيل بإضعاف حزب الله في لبنان (الذراع الرئيسي لإيران) وعقد اتفاق معه لوقف إطلاق النار في لبنان، وكذلك الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على إيران دون وجود أي دور لروسيا لحماية حليفتها، قد انعكس على موازين القوى في سوريا، وهو ما أدّى إلى إحداث خلل على الأرض السورية؛ فروسيا من أجل كسب تركيا “الحليف غير الموثوق لأي طرف كان” قد خسرت حليفتها في سوريا، وروسيا حاولت الضغط على الأسد من أجل الجلوس مع أردوغان والبدء بالتطبيع، وهو ما كانت ترفضه إيران، وهو ما أدّى إلى فقدان روسيا للقوات البرّية التي تسيطر على الأرض نتيجة لانسحاب المليشيات الإيرانية من دون التصدّي للمجاميع الإرهابية، وهو ما أدى أيضًا لعدم جدوى الطيران الحربي الروسي في وقف طرق الإمداد للجماعات الإرهابية، حتى أنّ الفرقة الخامسة المدعومة من قبلها لا تملك تلك القوة لصدّ الهجوم الإرهابي، وبالتالي؛ انسحبت الفرقة من جنوب إدلب من دون قتال حتى يتم ترتيب البيت الداخلي “روسيا إيران والنظام”. إذاً؛ فالسياسة الروسية في سوريا لكسب تركيا والتأثير عليها، سواء لإنهاء الأزمة السورية أو عدم انخراطها في الحرب الروسية – الأوكرانية قد فشلت، بل إنّها قد انعكست بشكل سلبي عليها؛ فتركيا لا يمكن لها التمرّد على الناتو ولا على استراتيجية الولايات المتحدة، فوجودها ” الوضع الداخلي والاقتصادي” مرتبط بالولايات المتحدة في المقام الأول.
إلى أين تتّجه الأحداث في سوريا؟
الأمور على هذه الشاكلة تتّجه نحو حرب شاملة في سوريا، نتيجة الأهداف المتضاربة بين القوى الدولية والإقليمية والأطماع العثمانية في الشمال السوري “الميثاق الملّي” وخروج المناطق عن سيطرة روسيا والنظام؛ فقوات النظام من دون الميليشيات الإيرانية لا تمتلك القوة لإعادة بسط سيطرتها على المناطق المحتلّة ودحر المجاميع الإرهابية، بل إنّها لن تكون قادرة على تحرير إدلب والشمال السوري المحتل، ونظراً لوجود مطامع عثمانية في الشمال السوري؛ فقد سمحت تركيا لمرتزقتها بالانخراط مع هيئة تحرير الشام في عمليتها العسكرية التي تُسمّى بـ”ردع العدوان” ومن ثم قيام مرتزقتها بالإعلان عن عملية ما تُسمّى بـ”فجر الحرية” مستقلّة عن الهيئة لاحتلال تل رفعت ومناطق الإدارة الذاتية في شمال حلب؛ وهو ما قد يؤدّي بقوات سوريا الديمقراطية للانخراط في هذه الحرب لحماية مناطقها من الأطماع العثمانية، وبالتالي؛ توسيع نطاق العمليات العسكرية في جميع أنحاء سوريا وحتى في الجنوب السوري. إنّ تركيا ومن خلال دورها الخفيّ فيما يحدث في الشمال السوري إنّما تريد، عن طريق مزاعم نفي تورّطها، أن تصرف الأنظار عنها. إلّا أنّ الواقع يؤكّد أنّ لها اليد الطولى فيما يجري في الشمال السوري؛ فانخراط مرتزقتها على أقلّ تقدير وإعلانهم عن عمليتهم الإرهابية “فجر الحرية” ما هو إلّا أكبر دليل على انخراطها لتحقيق أطماعها ومن دون وجود أي اعتراض دولي وإقليمي؛ فروسيا حتى الآن لا تريد التصعيد مع تركيا من أجل تحييدها في أوكرانيا، وأمريكا بقيت صامته كون تركيا حليفتها، ولأنّ السيطرة على الشمال السوري سيخدم أمريكا من ناحية الضغط على روسيا وإحداث خرق في العلاقات التركية – الروسية، كما أنّ تسليم الإدارة في الولايات المتحدة لإدارة ترامب، وهي فترة زمنية قصيرة، يُحدث خللًا في بعض الملفات تحاول خلالها الدول الإقليمية والدولية كسبها لتغيير مواقف الولايات المتحدة قبل تسلّم الإدارة الجديدة.
إذاً؛ إنّ بقاء الوضع كما هو من دون أي تدخّل عسكري كبير من قبل روسيا والنظام لتحرير المناطق المحتلة سيشكّل ضغطاً كبيراً على التواجد الروسي في سوريا، وعلى روسيا في أوكرانيا؛ فروسيا وخلال حربها في أوكرانيا عملت على نقل جنودها إلى أوكرانيا لأنّهم قد امتلكوا الخبرة القتالية، كما أنّها غير قادرة على إرسال قوات إضافية، وموازين القوى في أوكرانيا تتّجه لصالح كييف والناتو، إلى جانب عدم الوثوق بدولة الاحتلال التركي.
روسيا انزعجت من تعنّت النظام ورفضه التطبيع مع دولة الاحتلال التركي، وهو حق شرعي حتى وإن كانت هناك ضغوط إيرانية عليها، فروسيا لا يهمّها بقاء الاحتلال التركي في الشمال السوري طالما أنّ تركيا لا تؤثّر على روسيا في أوكرانيا، إلّا أنّ الوضع قد انعكس؛ حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “إنّ بلاده مندهشة من استمرار تركيا بتزويد كييف بالأسلحة، وإنّ كييف تستخدم الأسلحة التركية لقتل العسكريين والمدنيين الروس، في ضوء تصريحات الحكومة التركية بأنّها مساعدة للقيام بمهام وساطة بين موسكو وكييف”.
إنّ بقاء روسيا في حلمها بإخراج تركيا من الفلك الغربي والمراهنة عليها والسماح لها ولمرتزقتها باحتلال المزيد من المناطق سيجعلها ضمن دائرة الخطر، وتفضيلها التطبيع بين النظام وتركيا على الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام، ورغبتها بالتفرّد في القرار السياسي في دمشق، بعيداً عن إيران، كلّ ذلك سيضع التواجد الروسي ضمن دائرة الخطر، وخصوصاً قاعدتها الجوية في حميميم، فهذه القاعدة لن تكون بمنأىً عمّا يحدث، فقد تتعرّض للقصف عبر صواريخ المجاميع الإرهابية والطائرات المسيّرة التي باتت هيئة تحرير الشام ومرتزقة تركيا تمتلكها وبدعم من الولايات المتحدة، ولكون روسيا لا تملك القوة البرية ولا قوات النظام لديها القدرة على بسط سيطرتها من جديد بعد انسحاب الميليشيات الإيرانية، يبقى لروسيا تجاه واحد ألا وهو إنجاح الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام، والاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية كقوة وطنية لوقف تقدّم المجاميع الإرهابية، ووضع حدّ للأطماع التركية في سوريا، والبدء بعملية تحرير كامل الشمال السوري المحتل، قبل خروج الأوضاع عن السيطرة.
ما يحدث هو خلط للأوراق:
بداية يجب التركيز على أنّ هيئة تحرير الشام إلى جانب بعض فصائل المرتزقة المشاركة مصنّفة على لوائح الإرهاب، وأنّ أيّ هجوم من أي طرف إقليمي أو دولي، باستثناء دولة الاحتلال التركي، لن يكون هناك أي رفض أو احتجاج دولي، وبالتالي؛ يبقى الباب مفتوحًا أمام سيناريوهات جديدة قد تحدث. أمّا أهم الأحداث المستقبلية التي قد تجري والتي قد تكون لها انعكاسات كبيرة وتؤدّي إلى خلط الأوراق فهي:
- استهداف المجاميع الإرهابية لقاعدة “حميميم” العسكرية أو إسقاط طائرة حربية روسية من شأنه تغيير مجريات الأحداث والحرب في سوريا ووضع روسيا في الاتجاه الصحيح؛ وذلك من خلال وضع يدها بيد القوى الوطنية لدحر الإرهاب ووقف الأطماع التركية، كون هذه المجاميع تعمل تحت إشراف النظام التركي “الميت التركي”.
- قيام مرتزقة تركيا بشنّ عملية إرهابية ضدّ مناطق قوات سوريا الديمقراطية، وبالتحديد منبج وشرقي الفرات “مناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا”، كون مناطق الإدارة الذاتية في شمال حلب لا توجد فيها قوات سوريا الديمقراطية وإنّما قوات تحرير عفرين ووحدات حماية الشعب، وهو ما يجبر قوات سوريا الديمقراطية لفتح جبهة على طول الحدود السورية، وفي حال عدم تدخّل الولايات المتحدة لوقف المجاميع الإرهابية فإنّها – الولايات المتحدة – ستكون معرّضة لخسارة أكبر شريك لها في سوريا وخروجها من الملف السوري، وتوجّه قوات سوريا الديمقراطية نحو روسيا، كما حدث أثناء العدوان التركي على منطقتَي (كري سبي وسري كانييه)، وبالتالي؛ البدء بعملية الانسحاب الأمريكي من المنطقة؛ وهو ما يسمح لروسيا بالتفرّد بالملف السوري، وهو ما تخشاه الولايات المتحدة وهي في حالة صراع كبير مع روسيا في أوكرانيا.
هناك نوع من التوافق الدولي والإقليمي على حماية الإدارة الذاتية من المطامع التركية كونها لديها المشروع الوحيد لحلّ الأزمة السورية، وهو أمر غير مبالَغ فيه، وذلك بسبب عدم منح أردوغان الضوء الأخضر لشنّ عدوان على مناطق الإدارة الذاتية، حتى أنّ ما يحدث في الشمال السوري لم تتدخّل فيه دولة الاحتلال التركي بشكل مباشر عبر قواتها لاحتلال مناطق الإدارة الذاتية، وإنّما بقيت تدعم بشكل غير مباشر مجاميعها الإرهابية في الشمال السوري المحتل، وهي تخشى الانخراط بشكل مباشر بسبب عدم حصولها على الضوء الأخضر حتى الآن، وتخشى خسارتها في الشمال السوري المحتل؛ كون هذه الفصائل المشاركة مصنّفة على لوائح الإرهاب، ولأنّ ما يحدث الآن لن يخدم الدول الإقليمية ولا حتى الدول العربية، لذا؛ لإنّ تركيا حذرة من الانخراط بشكل مباشر على الرغم من رغبتها القوية للتدخّل عسكرياً في الشمال السوري لإرضاء الداخل التركي؛ كون جميع تهديدات أردوغان قد ذهبت أدراج الرياح، وهو ما أثّر عليه داخلياً. لكنّ الدور التركي الحالي لا يقلّ تأثيره عن تدخّلها المباشر؛ فهي التي أعطت الأوامر لمرتزقتها لتنفيذ عمليتها الإرهابية “فجر الحرية” على مناطق الإدارة الذاتية في شمال حلب وهي التي تدعم تلك الفصائل عسكرياً.
إذاً؛ إنّ ما يجري في الشمال السوري في هذا السياق من تأزّم للوضع العسكري في سوريا ما هو إلّا نتاج السياسة الروسية في عدم رغبتها في إنجاح الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، على عكس رغبتها في إنجاح التطبيع بين دولة الاحتلال التركي والنظام، وخسارة حليفتها إيران في سوريا التي كانت مسيطرة على الأرض، ورغبتها بالتفرّد بالقرار السياسي بعيداً عن إيران، تلك السياسة قد جعلت روسيا في مأزق كبير، لذا؛ يمكن القول في هذه الحالة إنّ روسيا قد باتت لوحدها، وباتت غير قادرة على إعادة بسط سيطرة النظام على المناطق المحتلّة.
إنّ أهداف إسرائيل في إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، وتؤيّدها الدول العربية في ذلك، يحتّم على روسيا أن تغيّر سياستها في سوريا، كما يحتّم عليها الاستيقاظ من حلمها فيما يخص دولة الاحتلال التركي، والتوجّه نحو القوى الوطنية لدحر الإرهاب والوقوف في وجه الأطماع التركية، ودحره من كامل الشمال السوري ودعم قوات سوريا الديمقراطية القوة الرئيسية التي ما تزال تملك القوة لمواجهة الإرهاب وتحرير كامل الشمال السوري؛ وإلّا فإنّ تواجدها العسكري في سوريا سيضعها ضمن دائرة الخطر ويزيد من الضغوط الدولية عليها.
أخيراً: إنّ أي تسوية سياسية أو عسكرية لا تقوم على عودة حلب إلى النظام تُعَدّ مؤشّراً على وجود توافق أمريكي – إسرائيلي – تركي حول ضمّ حلب لمناطق ما تُسمّى بالائتلاف السوري المعارض وجعلها مركزاً له؛ بحجّة إعادة المهجّرين السوريين في تركيا إلى حلب والشمال السوري المحتل، ومن ثم العمل على وضع النقاط على الحروف لحلّ للازمة السورية وفق القرار الدولي 2254 وتشكيل نظام لا مركزي يضمّ ثلاث مناطق: النظام ومركزه دمشق، والإتلاف ومركزه حلب (هو إرضاء لتركيا لوقف عدوانها على مناطق الإدارة الذاتية)، ومناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا – باستثناء مناطق شمال حلب – وبالتالي؛ فإنّ ما قد يحدث في غضون الساعات القادمة – كون الأحداث تتسارع بشكل كبير – أو في الأيام القادمة سيكشف نوايا الدول “الولايات المتحدة وروسيا وتركيا” إزاء ما يحدث في الشمال السوري، وسيكشف أيضًا إلى أين تتّجه الأمور.
لذا؛ ستبقى سوريا ساحة صراع بين الدول الإقليمية والدولية، ما لم يحدث توافق روسي – غربي حول خفض التصعيد أو إنهائه، وتوافق لإخراج القوى الإقليمية “إيران وتركيا” من الملف السوري لينهي الأزمة السورية.