تداعيات ومآلات الأزمة الراهنة على الإدارة الذاتية

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا غير مسبوق من ناحية التوتّرات السياسية والعسكرية على عدّة جبهات، ما يضع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أمام تحدّيات متعدّدة تهدّد استقرارها ووجودها. يتزامن هذا التصعيد مع تحوّلات في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، النزاع الإسرائيلي-الإيراني، وتصاعد التهديدات التركية، إضافة إلى تنامي دور الجماعات المسلحة وتحرّكات هيئة تحرير الشام. ومع موجات النزوح المستمرّة إلى مناطق الإدارة الذاتية، باتت هذه الإدارة تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية تتطلّب استراتيجية شاملة للتعامل مع الواقع المعقّد.

 حرب إسرائيل على غزة وتداعياتها الإقليمية:

تؤثّر الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بشكل غير مباشر على الوضع في سوريا؛ فهذه الحرب تعمل على استقطاب القوى الإقليمية وتصعيد الخطاب المعادي لإسرائيل من قبل أطراف عدّة، بما فيها إيران وحزب الله.

وفي نظرة على إمكانية تأثير هذا النزاع المسلّح على الإدارة الذاتية نجد أنّ هناك احتمالًا لأن يؤدّي التصعيد في غزة إلى تحفيز تدخّلات إقليمية قد تنعكس سلبًا على مناطق شمال سوريا، لا سيّما إذا ما حاولت إيران وحلفاؤها إشعال جبهات جديدة في المنطقة؛ كجزء من الردّ على إسرائيل. وقد تجد الإدارة الذاتية نفسها أمام تداعيات غير متوقّعة إذا ما تفاقمت هذه الأزمات وتوسّعت جبهات القتال.

حرب إسرائيل وحزب الله وتداعيات النزاع الإسرائيلي – الإيراني:

يزيد التوتّر بين حزب الله وإسرائيل، وكذلك الاشتباكات المتقطّعة على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، من احتمالية توسّع النزاع إلى الداخل السوري. كما أنّ النزاع بين إسرائيل وإيران، عبر وكلاء أو ضربات مباشرة، يضع سوريا في دائرة الصراع. وفي ذلك انعكاساته على الإدارة الذاتية التي قد تجد نفسها في وضع حرج إذا ما اشتد هذا النزاع، خصوصًا في ظل وجود ميليشيات مدعومة من إيران في سوريا؛ فتحرك هذه الأطراف قد يعقّد الوضع الداخلي ويدفع الإدارة الذاتية لاتخاذ موقف سياسي أو عسكري، ما يزيد من التوتّر مع الأطراف المتصارعة في المنطقة.

التهديدات التركية لشمال وشرق سوريا:

التصريحات التركية المتكرّرة عن نيتها شنّ عملية عسكرية جديدة ضدّ مناطق شمال سوريا تشكّل تهديدًا مباشرًا للإدارة الذاتية، فتركيا تنظر إلى الإدارة الذاتية كخطر استراتيجي على أمنها القومي، ويربط المسؤولون الأتراك الأمن القومي دائما بنواياهم العسكرية، في محاولات التمهيد للتوسّع أكثر في سوريا.

المخاطر المباشرة:

في حال نفّذت تركيا تهديداتها، قد تواجه الإدارة الذاتية موجة جديدة من الصراعات العسكرية والنزوح السكاني. إلى جانب ذلك، فإنّ أي تحرّك عسكري تركي قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار المنطقة وتعطيل جهود الإدارة الذاتية في بناء مؤسساتها.

 تحضير تركيا لجبهتها الداخلية وتصاعد التوجّهات التوسّعية:

تشير تصريحات الرئيس التركي “أردوغان” إلى محاولات تركيا تحصين جبهتها الداخلية، وتهيئة الأجواء لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة خارج الحدود، مع تركيز واضح على مناطق الإدارة الذاتية، وفي هذا التوجّه تداعيات على الإدارة الذاتية؛ فهذه التصريحات تحمل إشارات إلى احتمال إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى تقويض مشروع الإدارة الذاتية، وقد تستغل تركيا أي فراغ سياسي أو أمني ناتج عن انشغال القوى الدولية بالصراعات الأخرى، خاصة في ظل الحرب الجارية في غزة ولبنان والتوتّرات مع إيران وحزب الله.

تحرّكات هيئة تحرير الشام وتوسيع نطاق سيطرتها:

تشكّل تحرّكات هيئة تحرير الشام في الشمال السوري تهديدًا إضافيًا؛ فهذه الجماعة، التي تسيطر على إدلب، قد تسعى إلى استغلال التصعيد الإقليمي لتحقيق مكاسب ميدانية جديدة، وقد تتوسّع باتجاه مناطق الإدارة الذاتية أو تستغلّ الفوضى المحتمَلة في حال تنفيذ تركيا لعمليات عسكرية.

ومن المخاطر المحتملَة أيضًا، أنّ توسّع هيئة تحرير الشام باتجاه الشرق يهدّد بفتح جبهات جديدة مع الإدارة الذاتية، ويزيد من تعقيد الوضع الأمني، خصوصًا إذا ما تمكّنت هذه الجماعة من استقطاب بعض الفصائل المحلّية التي قد ترى في التعاون معها فرصة لتحقيق مصالح آنية.

موجات النزوح إلى مناطق الإدارة الذاتية:

مع تصاعد التوتّرات الإقليمية، تستقبل مناطق الإدارة الذاتية موجاتٍ جديدةً من النازحين الفارّين من مناطق الصراع؛ وهذا الضغط السكاني المتزايد يشكّل تحديًا على مستوى الخدمات والبنية التحتية، ويضع الإدارة في مواجهة تحدّيات إنسانية إضافية.

وفي تفاصيل التحدّيات الإدارية والإنسانية يتطلّب التعامل مع هذه الموجات جهودًا مضاعفة من الإدارة الذاتية، سواء فيما يتعلّق بتوفير الإيواء والخدمات الأساسية أو بإدارة الأوضاع الأمنية. كما أنّ بعض النازحين قد يحملون معهم ولاءات سياسية أو أمنية معقّدة، ما يضيف طبقة جديدة من التحدّيات الأمنية.

نحو استراتيجية شاملة للتعامل مع التحدّيات الراهنة:

في ظل هذا الوضع المعقّد، تواجه الإدارة الذاتية تحدّيات غير مسبوقة على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ من الضروري أن تتبنّى الإدارة استراتيجية شاملة تقوم على:

  • التنسيق مع القوى الدولية: لتعزيز الشرعية السياسية وطلب دعم دولي لمنع أي تدخّل عسكري تركي.
  • تعزيز التحالفات المحلّية: من خلال فتح قنوات تواصل مع القوى السياسية والمجتمعية داخل سوريا لتقليل التوتّرات الداخلية.
  • إدارة الأزمة الإنسانية بفعالية: عبر التعاون مع المنظمات الدولية لتوفير الدعم اللازم للنازحين.
  • تعزيز الجبهة الداخلية: بزيادة التوعية وتعميق مفهوم الإدارة الذاتية لدى السكان لتعزيز التماسك المجتمعي.
  • الاستعداد الأمني: تحسّبًا لأي تصعيد من قبل تركيا أو الجماعات المسلّحة في المنطقة.

في الختام؛ لا شك في أنّ الإدارة الذاتية تقف أمام مفترق طرق في ظلّ التصعيد الإقليمي الحالي؛ لكن بفضل ما اكتسبته من خبرات في التعامل مع الأزمات المتلاحقة، لا تزال لديها فرصة لتعزيز استقرارها والحفاظ على مكتسباتها.

زر الذهاب إلى الأعلى