قبل فوات الأوان… ما هو المطلوب؟

الحوار الوطني والمرحلة الانتقالية في سوريا

قراءة واقعية – تأمّلية في المشهد السوري الأخير:

في ظل الظروف الراهنة، هناك تخوّف لدى كثير من أبناء هذا الوطن الجريح، ألا وهي تداعيات تحوّل إسقاط نظام الأسد إلى حرب أهلية أو فوضى شاملة، ويُعَدّ ذلك هاجساً مشروعاً كما هو واضح وبشكل جليّ.

والسؤال الذي يُطرح في هذه الآونة هو:

الحوار السوري-السوري بين القوى الوطنية المتعدّدة في ظلّ هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ بها سوريا حالياً، هل سيشكّل مدخلاً للاستقرار والنجاة من أية فاجعة أخرى قد تحلّ بالسوريين بعد كلّ المآسي التي عانوها؟

بكل تأكيد؛ يمكن اعتبار الحوار السوري-السوري بين القوى الوطنية متعدّدة الاتجاهات أداة أساسية في هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ بها سوريا؛ فالحوار المأمول يجب أن يهدف إلى توحيد جهود القوى الوطنية بكافة تياراتها ومختلف أطيافها من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة لبناء سوريا جديدة، بعيدًا عن الانقسامات والتشتّت كما تبتغيها الكثير من القوى والدول التي لا تريد الخير لبلادنا.

ويمكننا تلخيص أهمية هذا الحوار في النقاط التالية:

1- إرساء الاستقرار السياسي:

في ظلّ هذه المرحلة وبعد إسقاط  نظام حكومة دمشق، فإنّ الحوار يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو تأسيس نظام سياسي جديد يعتمد على الديمقراطية والتعدّدية والعدالة الاجتماعية، بعيداً عن الذهنية الأحادية سواء كانت دينية أو قومية أو مذهبية أو طائفية (بدأنا نرى بعض مؤشّراتها الآن).

2- معالجة القضايا الداخلية:

الحوار سيُتيح الفرصة لمعالجة القضايا المُلحّة؛ مثل: استتباب الأمن، وتوفير آليات تقديم الخدمات للمواطنين، ووضع خطط لإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين السوريين من بلاد الغربة، وإعادة بناء المؤسسات التي تعزّز سيادة القانون وحقوق الإنسان، وإرساء التعايش بين كلّ المكوّنات كمواطنين من الدرجة الأولى وتثبيتها ضمن دستور ديمقراطي.

3- تقليل التدخّلات الخارجية:

الحوار الداخلي بين السوريين سيقلّل من فرص فرض أجندات خارجية على مستقبل سوريا، كما عاناه السوريون منذ بداية الازمة، وخاصة ما لاقاه  جراء سياسات الاحتلال التركي.

وبذلك سيوضع القرار بيد السوريين أنفسهم.

إذاً؛ فالحوار سيساعد على بناء جسور الثقة بين المكوّنات المختلفة للمجتمع السوري، ممّا يُمهّد الطريق لتعاون مثمِر في المستقبل.

ويُمكن أن يكون الحوار منصّة لمناقشة سُبل تحقيق العدالة في هذه المرحلة الانتقالية والمصالحة الوطنية بين السوريين، ممّا يساعد في تجاوز الماضي المؤلِم والتطلّع نحو مستقبل مشرق.

وإنّ نجاح هذا الحوار سيعتمد بشكل كبير على وجود إرادة سياسية صادقة لدى كافة الأطراف، وتهيئة مناخ يسمح بالتعبير عن مختلف الآراء دون إقصاء أو تخوين طرف على حساب طرف آخر.

المهام  المطلوبة في المرحلة الراهنة:

أشرنا الى أهمية الحوار السوري-السوري في هذه المرحلة لتجنّب أي سيناريو كارثي، وذلك من خلال اتّخاذ بعض الخطوات السريعة التالية:

١- منع استمرار الفراغ السياسيّ:

فإسقاط نظام حكومة دمشق دون وجود بديل متّفق عليه يمكن أن يخلق فراغاً سياسياً تستغلّه الأطراف المتطرّفة أو القوى الخارجية التي لا تريد الخير لسوريا.

لذا؛ فإنّ الحوار الوطني سيتيح فرصة لوضع خطّة انتقالية واضحة تحظى بقبول شعبي واسع.

2- الاستفادة من الدروس السابقة:

النظر إلى تجارب الدول الأخرى التي شهدت فراغاً سياسياً بعد إسقاط الأنظمة الحاكمة (مثل ليبيا والعراق واليمن) يمكن أن يوجّه السوريين نحو تجنّب الأخطاء نفسها؛ من خلال بناء مؤسسات قوية وديمقراطية وشاملة.

3- إدارة المرحلة الانتقالية:

من خلال اتّخاذ الحوار منطلقاً، يمكن التوافق على تشكيل هيئة أو حكومة انتقالية تضمّ كافة الأطراف الوطنية، ممّا يضمن إدارة المرحلة الانتقالية بشكل سلس بعيداً عن الانزلاق إلى الفوضى.

4- ضمان التمثيل الشامل:

الحوار البنّاء سيعزّز تمثيل جميع مكوّنات المجتمع السوري؛ وهذه الخطوة ستقلّل من التوتّرات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والقومية التي قد تؤدّي إلى حرب أهلية.

5-  تفكيك أدوات العنف:

يمكن للحوار أن يتضمّن آليات لنزع السلاح من المجموعات المسلّحة غير النظامية ودمجها ضمن مؤسسات الحكومة المنتخبة أو إعادة تأهيلها؛ وهو ما يحدّ من احتمالات اندلاع العنف، وهذه نقطة حساسة ومفصلية لابدّ من الاتفاق عليها مع الحفاظ على خصوصية المناطق، وكذلك بحاجة الى مزيد من التروّي والنقاش المستفيض في ذلك.

6-  إعادة بناء الثقة بين الأطراف:

بعد 14 عام من الصراع، سيحمل الحوار دوراً مهمّاً في تقليل الشكوك بين الأطراف المختلفة؛ وهو ما يسهم في تهيئة الأرضية للتعاون المستقبلي.

7- التعامل مع التدخّلات الخارجية بحِكمة:

الحوار الوطني سيضع سوريا على مسار يحميها من أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، ويعطي الشعب السوري فرصة لتقرير مصيره.

ويمكننا القول أنّه لا سبيل ولا بديل عن الحوار الشامل المبنيّ على رؤية وطنية مشتركة؛ لتجنّب الفوضى والحفاظ على وحدة وسيادة سوريا وسلامة شعبها بكل مكوّناتها وثقافتها.

 

المرحلة الحالية وأهمية تطبيق القرار الدولي /2254/:

هناك أهمية لتطبيق القرار الدولي /2254/ في المرحلة الحالية ويمكننا سردها من خلال:

1- وضع خريطة طريق لإنهاء الصراع:

القرار /225٤/ الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2015 سيوفّر إطارًا شاملاً لتسوية الأزمة السورية.

ويمثّل هذا القرار، بعد سقوط الأسد، مرجعًا قانونيًا وسياسيًا لتوجيه العملية السياسية ومنع الفراغ أو الفوضى الموجودة في بعض المناطق السورية، وخاصة مناطق الاحتلال التركيّ.

2- تحقيق الانتقال السياسي:

القرار/2254/ يدعو إلى إنشاء هيئة حكم انتقالية ذات مصداقية وشاملة، وهو ما يضمن انتقالًا منظّمًا للسلطة بعيدًا عن الانقسامات أو النزاعات الأهلية.

3- تعزيز وحدة سوريا وسيادتها:

تطبيق القرار سيمنع التقسيم أو تشظّي الحكومة السورية المؤقّتة أو المنتخبة لاحقا، ويؤكّد على سيادتها واستقلالها بعيدًا عن التدخّلات الخارجية.

4-  إطلاق عملية دستورية:

القرار/2254/ ينصّ على صياغة دستور جديد من خلال عملية شاملة وديمقراطية، وهو أمر أساسي لبناء وطن للجميع تُضمَن فيه حقوق كافة مكوّنات الشعب السوري.

5-  التحضير لانتخابات ديمقراطية:

القرار /2254/ يضع أساسًا لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة؛ ممّا يسمح ويفتح الارضية المناسبة لتمثيل الشعب السوري بشكل عادل وديمقراطي.

(وهنا الكرد مدعوّون لرصّ الصفوف ووضع كلّ خلافاتهم الحزبية والفكرية جانباً، ووضع برنامج وخطاب سياسيّ واضح؛ ودونها سيكونون في مواجهة كارثة وضياع فرصة تاريخية قد لا تتكرّر لنيل حقوقهم).

6- إرساء الاستقرار وإعادة الإعمار:

فتطبيق القرار /2254/ سيفتح الباب لإعادة الإعمار بمساعدة دولية، ممّا يعيد بناء البنية التحتية المدمَّرة ويحسّن ظروف معيشة الشعب السوري بشكل عام.

ولتطبيق هذا القرار يتطلّب ما يلي:

1- الالتزام بالحوار الوطني الشامل؛ فعلى كافّة القوى السياسية والعسكرية الانخراط في حوار جادّ يركّز على مصلحة سوريا وشعبها بعيدًا عن الأجندات الشخصية أو الفئوية أو الحزبية.

2-  ينبغي على جميع القوى المتواجدة على الجغرافية السورية إيقاف الأعمال العسكرية، وتهيئة بيئة آمنة ومستقرّة لتطبيق العملية السياسية، أي؛ التخلّي عن الحلول العسكرية.

3-  التنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة والجهود الأممية عامة، لضمان تنفيذ بنود القرار /225٤/ بما يشمل تشكيل هيئة حكم انتقالية وإجراء انتخابات ديمقراطية لاحقًا.

4- وقف التدخّلات الخارجية يتطلّب تطبيق القرار/225٤/ حيث تسعى تلك الأطراف من خلال تدخّلاتها أن تحقّق مصالحها الخاصة على حساب الاستقرار السوري.

5- يجب على القوى المعارِضة والنخب السياسية توحيد رؤاها حول عملية الانتقال السياسي والالتزام بمخرجات القرار /2254/.

6-  التركيز على بناء مؤسسات الحكومة بحيث تكون قوية ورشيدة وغير طائفية أو قومية، لتكون قادرة على تقديم الخدمة لجميع السوريين دون تمييز، أي؛ بناء هوية سورية جامعة.

7-  ضمان حماية حقوق المكوّنات والموزاييك الموجود في سوريا، والالتزام بآليات العدالة الانتقالية ومعالجة الانتهاكات التي حدثت خلال الحرب، بما يعزّز ثقة الشعب بالعملية السياسية.

وحتماً إن تطبيق القرار /225٤/  يحتاج إلى إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف، والتزام دوليّ وإقليميّ بدعم هذا المسار كخيار وحيد لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

والنجاح في هذه المرحلة يعتمد على إيجاد إطار سياسيّ وعسكريّ المطلوب متماسِك، مع ضمان استمرار الدعم الدوليّ والإقليميّ لتحقيق استقرار حقيقيّ ومُستدام.

 إذًا؛ الحوار الوطني الجامع بين كلّ القوى الوطنية، بكافة اتجاهاتها ودون إقصاء أحد، والاتفاق على هوية سورية جامعة، وتطبيق القرار الأممي /225٤/  سيشكّل اللبِنة الأولى لبناء وطن يليق بكلّ السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى