عفرين ضحية الاستهتار بالقضية الكردية والقضية الفلسطينية

في السنوات الأخيرة، أصبحت منطقة عفرين السورية محطّ أنظار العديد من القوى الإقليمية والدولية؛ نتيجة لموقعها الاستراتيجي وتكوينها الديموغرافي الذي يغلب عليه الطابع الكردي، فمنذ احتلالها من قبل تركيا في عام 2018 خلال عملية عسكرية، شهدت المنطقة تغييرات ديمغرافية وسياسية عميقة تشير إلى تنفيذ سياسة ممنهجة تهدف إلى تغيير تركيبتها السكانية وتدمير هويتها الكردية، تتشابك هذه السياسات مع المصالح الإقليمية والتوتّرات في الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأزمات النزوح المتتالية في المنطقة.
تركيا، من خلال سياساتها، تسعى إلى تحقيق أجندة جيوسياسية واسعة النطاق في عفرين.
كيف أصبحت عفرين ضحية للاستغلال السياسي من قبل العديد من القوى الإقليمية، بما فيها تركيا؟
وكيف تم الربط بين القضية الفلسطينية والتوتّرات الإقليمية الأخرى، كوسيلة لفرض سياسات تهدف إلى تدمير الهوية الكردية وتغيير ديمغرافية المنطقة؟
أولاً: عفرين كضحية للصراع التركي – الكردي:
1-1 الأهمية الجيوسياسية لعفرين:
تقع عفرين في شمال غرب سوريا قريبًا من البحر المتوسط، وهي امتداد طبيعي لجغرافية كردستان في تركيا وسوريا، والمنطقة الرئيسية من كردستان الواقعة غرب الفرات؛ وهو ما قد يثير حفيظة (تركيا وإسرائيل) إذا ما نظرنا إلى مشاريعهما التوسّعية في المنطقة، وخاصة أنّ عفرين تُعتبَر واحدة من أبرز المناطق الكردية في البلاد.
تمتّع الأهالي في عفرين بقدر من الاستقلال الذاتي، إلّا أنّ التدخّل التركي قد قلب الموازين في المنطقة. تَعتَبر تركيا أنّ وجود قوة كردية على حدودها يشكّل تهديداً لأمنها القومي، حسب زعمها، إلّا أنّ الحقيقة تقول إنّ “تركيا ما بعد مئوية لوزان بدأت تمارس سياسة توسّعية مختلفة عن تلك السنوات التي سبقت مئوية اتفاقية لوزان، مستغلّة الآزمة السورية والفوضى الحاصلة”.
من هذا المنطلق، بدأت تركيا بتنفيذ عملية عسكرية في 2018، والتي أسفرت عن احتلال المنطقة وتهجير الآلاف من سكانها الكرد.
2-1 التغيير الديمغرافي المُمنهَج:
منذ دخول القوات التركية إلى عفرين، تم تنفيذ سياسات تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.
وفقًا للتقارير، يتم توطين عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك الفلسطينيين والنازحين السوريين من مناطق أخرى، في عفرين، يُعتبَر هذا التحرّك جزءاً من استراتيجية تركيا لإنشاء منطقة عازلة تمنع الكرد من تحقيق الحكم الذاتي الكامل في شمال سوريا.
تركيا لم تكن وحدها في تنفيذ هذه السياسات؛ فقد تم تمويل عمليات الاستيطان من قبل جهات خليجية، بهدف إنشاء مستوطنات جديدة تحلّ محلّ القرى الكردية المهجّرة. هذه العمليات ليست عشوائية، بل تعكس توجّهاً سياسياً واضحاً يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة على المدى الطويل.
ثانياً: الصراع الفلسطيني والتدخّل في عفرين:
1-2 توطين الفلسطينيين في عفرين:
بحسب تقارير إعلامية موثوقة، يشتمل التغيير الديمغرافي في عفرين على توطين الفلسطينيين في المنطقة؛ يشير هذا التوجّه إلى محاولة تركيا استغلال معاناة الفلسطينيين لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، فالتهجير القسري للسكان الكرد، واستبدالهم بفلسطينيين من الداخل السوري أو من الشتات، يشكّل جزءًا من سياسة أنقرة الرامية إلى تدمير الهوية الكردية، وعلى الرغم من أنّ تركيا تزعم دعمها للقضية الفلسطينية، إلّا أنّ استغلال الفلسطينيين كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية يعكس تناقضاً صارخاً بين الشعارات السياسية والواقع.
2-2 دور المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية:
تتحدّث التقارير أيضًا عن وجود منظمات فلسطينية مرتبطة ببنوك إسرائيلية تسهم في تنفيذ هذه السياسات، ما يشير إلى تداخل مصالح معقّدة بين الفاعلين المختلفين؛ هذا الربط بين المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية يثير تساؤلات حول العلاقة المعقّدة بين هذه الأطراف، وكيفية توظيفها لخدمة أهداف تركيا في عفرين.
ثالثاً: تطلّع تركيا لإنشاء إمارة سُنّية في المنطقة:
1-3 دور هيئة تحرير الشام:
منذ احتلال عفرين، برزت تقارير تشير إلى سعي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، بقيادة أبو محمد الجولاني، إلى إقامة إمارة سُنية في شمال غرب سوريا، وعفرين جزء من هذه الخطة، ويُعتبَر هذا التحرّك جزءًا من استراتيجيات أوسع تهدف إلى خلق كيانات سياسية جديدة تابعة لتركيا ومتوافقة مع أجندتها الإسلامية المحافظة. تُعتبَر هيئة تحرير الشام إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها تركيا لتحقيق هذه الأهداف؛ حيث يتم تحويل عفرين إلى قاعدة لنشر الفكر السلفي الجهادي تحت حماية تركية.
2-3 الدعم الخليجي والسعودي:
تلعب دول الخليج، وخاصة السعودية، دورًا كبيرًا في دعم الاستيطان في عفرين من خلال تمويل المشاريع الاستيطانية؛ هذا الدعم يأتي في إطار التعاون مع تركيا، حيث ترى السعودية وتركيا أنّ الاستيطان في عفرين يمكن أن يكون وسيلة لاحتواء النفوذ الإيراني والشيعي في المنطقة.
رابعاً: تداعيات النزوح بسبب الحروب في غزة ولبنان:
1-4 موجات النزوح الجديدة:
تشير الأحداث الجارية في غزة ولبنان إلى إمكانية حدوث موجات نزوح جديدة باتجاه سوريا، وخاصة المناطق الخاضعة للنفوذ التركي مثل عفرين، هذه الموجات يمكن أن تستخدمها تركيا لتعزيز سياساتها الاستيطانية وتوطين المزيد من اللاجئين في عفرين؛ كوسيلة لإعادة تشكيل البنية الديمغرافية والسياسية للمنطقة.
2-4 تداخل الأزمات الإقليمية:
في ظلّ التوتّرات في الشرق الأوسط، تحاول تركيا استغلال النزاعات لفرض أجنداتها الخاصة، سواء من خلال تقديم نفسها كمدافع عن السُنّة أو كحامٍ للقضية الفلسطينية، لكن واقع الأمر يشير إلى استغلال هذه القضايا لتحقيق مصالح سياسية ضيّقة على حساب السكان الأصليين، وخاصة الكرد.
خامساً: مستقبل عفرين:
1-5 التحدّيات على المستوى الكردي:
إنّ السياسات التركية في عفرين تمثّل تهديداً وجودياً للمجتمع الكردي في المنطقة؛ إذا استمرّت هذه السياسات على هذا النحو، فمن المُحتمَل أن تواجه عفرين نفس المصير الذي واجهته مدن كردية أخرى عبر التاريخ، حيث يتعرّض سكّانها للتهجير والاستبدال تدريجيًا.
5.2 دور المجتمع الدولي:
يجب على المجتمع الدولي أن يتدخّل لوقف هذه السياسات العدوانية التي تهدّد الاستقرار في المنطقة؛ فأية تغييرات ديمغرافية قسرية يجب أن تندرج تحت طائلة القانون الدولي، ويجب محاسبة الأطراف التي ترتكب هذه الانتهاكات.
تشير التطوّرات في عفرين إلى أنّ المنطقة أصبحت ساحة للصراعات الجيوسياسية، حيث تتداخل مصالح العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين. في قلب هذه الصراعات، يقف الشعب الكردي كضحيّة لسياسات استيطانية مُمنهَجَة تسعى إلى تدمير هويته ووجوده في المنطقة، وفي الوقت نفسه، يتم استغلال القضية الفلسطينية لتبرير هذه السياسات، ما يزيد من تعقيد الأوضاع ويجعل الحلول أكثر صعوبة.
من المهم أن يتم التركيز على هذه القضية من قبل الأطراف الدولية والفاعلين المحلّيّين، حيث يجب العمل على وقف السياسات التوسّعية التركية في عفرين، ومنع التلاعب بالقضيّتَين الكردية والفلسطينية لتحقيق أجندات إقليمية.