الإعلان الدستوري السوري ما له وما عليه
د. أحمد سينو

يبدو أنّ الملاحظات لن تنتهي حول حكومة الشرع، الحكومة الانتقالية، وحول خطواتها المتتالية والسريعة التي ربّما تأتي بإيحاءات دولية أو إقليمية، وكأنّها على عجلة من أمرها، بدءاً تشكيل لجنة الحوار الوطني وحتى المدعوون للحوار، فالحوار الذي حدث كان بمجمله خالياً من التوافق السوري كما كان خالياً من الشرعية السياسية والدستورية والقانونية، ولم يؤخذ فيه برأي مكوّنات الشعب السوري من الكرد والعلويين والدروز والسريان والآشوريين ولا من بقية الأديان والطوائف مثل: الكرد الإيزيديين والاسماعيليين وغيرهم؛ وقد أُحِيط بالمؤتمر الكثير من الغموض واللغط، ومن ثم تلتها الأحداث الدموية في الساحل السوري والتي استهدفت المكوّن السوري العلوي، وذهب ضحية تلك الأحداث العنصرية الآلاف من العلويين ومن الأطفال والنساء، وتُعَدُّ هيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لها مسؤولةً عن تلك الأحداث الدامية التي تُعَدُّ نقطة سوداء في تاريخ حكومة الشرع الانتقالية، وقد أراد الشرع التغطية على هذه الأحداث من خلال عقد اتفاق مع الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، ويُعْتَقَد أنّ الاتّفاق كان برعاية أمريكية وموافقة تركية وربّما عربية أيضاً، طبعاً الاتفاق بين حكومة الشرع المؤقّتة والجنرال مظلوم عبدي يُعَدُّ خطوة أولية يمكن تقييمها بشكل إيجابي إذا كان اتفاقاً أمنياً وعسكرياً، ولكنّه يفتقر إلى خطوات لاحقة قادمة تتعلّق بالحقوق السياسية للكرد وبقية المكوّنات، كما يفتقر الاتفاق إلى التطرّق لموضوع اللامركزية في الحكم وحصول بقية المكوّنات على حق إدارة مناطقهم. ونتيجة للمأزق الذي وقعت فيه حكومة أحمد الشرع بسبب قضية أحداث الساحل، فقد بات من الصعوبة أن يتعايش العلويون في الساحل مع حكومة الشرع المؤقّتة، كما زادت تلك الأحداث التوجّسَ لدى المكوّن الدرزي من العودة والثقة بمثل هذه الحكومة، والأمر ذاته بالنسبة للمسيحيين والإيزيديين وغيرهم؛ فهي حكومة من لون واحد، ولا يخفى الهدف من حكومة تمثّل الإسلام السياسي.
وربّما تكون الظروف السياسية الإقليمية قد ساهمت في عقد الاتفاق بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع؛ مثل حاجة تركيا لإنقاذ حكومة الشرع المؤقّتة نتيجة الأحداث الدامية السوداء في الساحل السوري، وكذلك حاجة الحكومة السورية إلى الموافقة الدولية والأمريكية لتسويق الشرع وقبوله في المنطقة، ومن المُرجَّح أنّ بيان القائد عبدالله أوجلان ودعوته للحكومة التركية للسلام قد دفعها إلى قبول الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة هيئة تحرير الشام في دمشق، والموقف الإسرائيلي ليس ببعيد عن الموقف الأمريكي؛ فإسرائيل بدورها تراقب الوضع وتتابع الأحداث بترقّب شديد، وهي متحفّزة لكلّ التجاوزات التركية أو التي ستصدر منها لاحقا.
وبالعودة إلى الإعلان الدستوري الذي وافقت عليه حكومة الشرع؛ فهو يفتقر إلى موافقة ومشاركة جميع المكوّنات السورية الأساسية مثل الكرد والدروز والعلويين والسريان والآشوريين وغيرهم، فكلّهم من حقّهم أن يشاركوا في وضع الإعلان الدستوري؛ فقد أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) أنّ الدستور السوري للمرحلة الانتقالية غير شرعي ولا يتوافق مع الاتفاق بين قسد وحكومة أحمد الشرع، خاصة أنّ ما يتعلق بالشريعة في إدارة الدولة تأخذ البلاد نحو الفوضى.
كما أعلنت السويداء أنّه لا وفاق ولا توافق مع حكومة الشرع المتطرّفة المطلوبة دولياً بسبب تجاوزاتها وخروقاتها، وجاء ذلك على لسان الشيخ حكمت الهجري الذي أوضح أنّه إمّا أن نكون أولا نكون، وهدفنا العدالة والقانون على المستوى الداخلي والدولي.
سنبدي بعض الملاحظات العامّة والسريعة حول الإعلان الدستوري الذي وقّع عليه رئيس الحكومة المؤقّتة الانتقالية أحمد الشرع والذي يقع في مطبّ قانوني ودستوري جديد هذه المرة؛ لأنّه حتى هذا الإعلان الدستوري كان من الضروري مشاركة الأطراف السورية والمكوّنات في اللجنة التي وضعت هذا الإعلان الدستوري، هذه اللجنة جاءت في أغلبها من لون واحد، وهذا منافٍ للشرعية القانونية والاجتماعية؛ فالملاحظة الأولى تدور حول اسم الدولة التي وُصِفت بـ”العربية السورية” وهذا منافٍ للواقع وللتاريخ والمنطق، إذ أنّ الصواب هو أن يكون اسم الدولة “الجمهورية السورية”؛ لأنّ الهوية السورية والوطن السوري هو الحاضن للجميع بما فيها كل الأعراق والأديان، وبذلك يقبل الجميع بعضهم بعضاً، والأمر الآخر ورد أنّ الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع؛ وهذا بدوره منافٍ للواقعية السياسية والتراثية في التاريخ السوري، كما ورد أنّ دين رئيس الجمهورية هو الإسلام؛ وهذا يكرّس الأحادية الدينية والفكرية، وهو فكر إقصائي للأديان الأخرى التي هي أديان سوريّة وأقدم من الإسلام نفسه، كالمسيحية فهو دين سوري بامتياز حتى قبل أن يكون ديناً عالمياً، فغالبية الرسل وتلامذة السيد المسيح كانوا سوريّين، كما يتضمّن الإعلان الدستوري أنّ رئيس الجمهورية هو من يعيّن أعضاء مجلس الشعب، والسؤال هنا: هل الرئيس أحمد الشرع رئيس منتخَب ليقوم بتعيين أعضاء مجلس الشعب؟ والتاريخ السوري المعاصر يشهد بانتخاب أعضاء البرلمان أو أعضاء مجلس الشعب، والسؤال المنطقي الآخر هو: هل سيُعرَض الإعلان الدستوري على استفتاء الشعب السوري بكل مكوّناته وأديانه وأعراقه؟ ثم هل هناك فصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية؟ وهذا أمر من الصعوبة بمكان تطبيقه في عموم البلاد العربية والإسلامية، ثمّ أين هي لامركزية الحكم التي يطالب بها عموم الشعب السوري ومكوّناته الأساسية المعروفة؟ فكلّ ما يقوم به أحمد الشرع بعيد عن المنطق والشرع، ثم هناك مسألة عَلَم الدولة وألونه ونجومه المعروفة؛ فالغالب أنّه يجب الأخذ برأي الغالبية من مكوّنات الشعب السوري حول ألوانه؛ فللكرد عَلَمهم وللدروز عَلَمهم، ويجب ألّا يُفرَض العَلَم على جميع المكوّنات ويجب إجراء استفتاء حول اختيار عَلَم الدولة، ويجب أن يتمّ اختيار لجنة من الكرد ولجنة من الدروز ولجنة من العلويين ولجنة من العرب السُّنّة ويتم التوافق على عَلَم الدولة السورية، كما يجب تخصيص موادّ خاصّة بالمرأة السورية والشباب وضمان حقّ الطفل والطفولة، يجب أن يتّصف الدستور بالواقعية السياسية والاجتماعية والعلمية، وأن يكون على مسافة واحدة من جميع مكوّنات الشعب السوري، كما يجب الحفاظ على حقوق الملكية في الأراضي الزراعية وإعادة أراضي الحزام العربي السيّئ الصيت إلى أصحابها من الكرد ويتم ذلك بقانون، ويجب إزالة كل أشكال التغيير الديموغرافي والثقافي في كل مناطق شمال وشرق سوريا من خلال قوانين في الدستور الانتقالي تلغي القوانين الاستثنائية والعنصرية السابقة بحق الكرد وغيرهم من المكوّنات، وهذا غيض من فيض فيما يتعلّق بالقوانين الاستثنائية التي فُرِضت على أهالي الحسكة والقامشلي وريفهما وطُبّقت في مناطق الكرد وعُرِفت بـ “خطّ العشرة”، ويجب تصحيح كل القوانيين التي طُبّقت بحق الكرد، خاصة القوانين الاستثنائية التي تتعلّق بملكية المنازل والمحاكم وغيرها الكثير، وربّما سنتوسّع في هذا الموضوع لاحقاً.