المرأة في الانتخابات التركية

تصدرت الانتخابات التركية المشهد السياسي كونها جرت في وقت حساس جدا وسط رغبة كبيرة لدى الشعب التركي بالتغيير ، بهدف الخلاص من ضغوطات النظام الحالي ومشاكله الكثيرة التي تجاوزت مجرد ظروف فقر اقتصادي ووصلت لأبعد من ذلك حتى أضحى الواقع الاجتماعي التركي مليئاً بالضغوطات السياسية و تجاوزت أزمات الشعب التركي الجغرافيا التركية بسبب تورط حكومة AKP في العديد من الملفات السياسية والعسكرية على المستوى الدّولي والإقليمي مما زاد من حدة الاحتقان الداخلي ضد سياساتها على الصعيد الداخلي و الخارجي ويبدو أن حكومة AKP قامت باتخاذ تدابير وقرارات بهدف ترسيخ استمرارها بالسلطة وتشكل أغلب هذه القرارات والتدابير خطرا وتهديدا على الحريات العامة ، وبشكل خاص على وضع المرأة على سبيل المثال قرار انسحابها من اتفاقية إسطنبول عام 2021 وهي الاتفاقية التي وقعتها تركيا عام 2011 مع المجلس الأوربي و تنص على مناهضة العنف ضد المرأة وحماية ضحايا العنف
ويبدو أنّ هذا القرار جاء لهدفين أولهما إرضاء القاعدة الانتخابية لحزب AKP المنتمية في معظمها إلى التيار الإسلامي والتي بدورها تمتلك عقيدة دينية تجاه المرأة ، والثاني إرضاء القوميين المتشددين حيث أنه مع بداية مرحلة الانسحاب من هذه الاتفاقية ظهر تصعيد واضح ضد نضال المرأة الحرة في كل الجغرافية التركية وعلى رأسهم ضد برلمانيات حزب الشعوب الديمقراطي وواضح هنا أن هذه السياسة جاءت بهدف إرضا ءالقوميين المتطرفين الرافضين لأي حل عادل لصالح القضية الكردية في الداخل التركي ويجدون أن مشاركة المرأة الفاعلة ذات الذهنية الحرة تشكل خطراً على استمرار بقائهم في السلطة
فأضحت الصبغة الحزبية الضيقة لطرفي القومية المتشددة والإسلامية المتطرفة بارزة في كل قرارات حزب AKP داخل مؤسسات الدولة وهذه القرارات بدورها لها تأثير على المجتمع ككل والضحية الأولى لهذه السياسات هي المرأة ومن المؤكد استطاع حزب العدالة والتنمية إخراج المرأة المحجبة من قوقعتها داخل المجتمع والأسرة خاصة بعد إلغاء كل الظواهر والأعراف التي تمنع المرأة المحجبة من ممارسة عمل أو دراسة وساق بها للدخول الى المضمار السياسي والعملي ولكن بالشكل الذي تريده مثل أي حزب سياسي كلاسيكي له توجه معين تجاه المرأة وقضاياها ولم يقدم حلولاً جوهرية لمشاكلها وقضاياها إنما وضع لها برنامج سياسي من منطلق استغلال المرأة لصالح أطماعه وغاياته الحزبية الساعية بالدرجة الأولى لقمع إرادة المرأة الحرة لذلك يقوم هذا الحزب بتسويق المرأة عبر المنظور الإسلامي وهذا يتجلى في البرنامج السياسي للحزب حيث يقدم الدعم لنمط معين من النساء ( دعم المرأة المحجبة المحافظة التي تكون مطيعة ضمن المنزل أيضاً ) لتصبح بذلك قوة داعمة لمشروعه الإسلامي بالمنطقة وطبعا هذه السياسية أزعجت بعض الأطراف الأخرى بالداخل التركي خاصة أحزاب المعارضة القومية التي بدورها تعمل على تسويق المرأة التركية من المنظور الرأسمالي علماً أن هذه الاحزاب تعتبر أن لها دوراً تاريخياً ورئيسياً في بناء تركيا الحديثة تحت عباءة العلمانية ولكن الواقع الاجتماعي التركي لا يزال أقوى منهم لذا ظهرت تصريحات خلال هذه الانتخابات الأخيرة من قبل القوميين أيضاً تترك للمرأة الحرية في اختيار الحجاب وطبعاً الغاية هنا هو بهدف كسب أصوات النساء في صناديق الاقتراع وسحب هذه الورقة أو تقاسمها مع حزب العدالة والتنمية الذي كان سباقاً في طرح مبادرة حرية حجاب المرأة ضمن الحياة العامة في تركيا وأجرى خطوات فعلية لهذا الشأن عام 2013 بعد محاولات عديدة ، إن موضوع منع الحجاب في تركيا الحديثة مرتبط بالعرف اكثر من القانون ، فمع بداية توقيع اتفاقية لوزان وولادة جمهورية تركيا الحديثة عام( 1923)دخلت البلاد في أزمة جديدة نتيجة الصراع بين خطين أيد لوجيين أولهم اسلامي راديكالي يناضل من أجل البقاء والثاني يحارب من أجل السيطرة والتغلغل وموضوع حجاب المرأة قضية أصبح ظاهرة خلاف بينهما نظراً لربطه بأيام الدولة العثمانية
من المؤكد هناك الكثير من القضايا والأزمات التي أوجدتها الاتفاقيات والمعاهدات التاريخية بهدف بناء تركيا الحديثة وعلى رأسهم قضية المرأة الصراعات الأيدلوجية طبيعاً تخلق حالة من الشرخ الاجتماعي والذي بدوره يترسخ في ذهنية كل فرد وكل خلية من خلايا المجتمع مما يؤدي طبيعياً إلى زيادة العنف وخاصة بحق المرأة ضمن المجتمع
وعلى الرغم من كل الضغوطات السياسية والاجتماعية على المرأة في تركيا لا تزال تنخرط بممارسة العمل السياسي بقوة وتجلى ذلك مشاركة خلال هذا الانتخابات حيث ارتفعت نسبة انضمامها للبرلمان من ١٧بالمئة الى ٢١ بالمئة و طبعا حزب اليسار الأخضر دخل بنسبة ٤٩ بالمئة من المرأة ويليه حزب العدالة والتنمية بنسبة تتجاوز ٣٠ بالمئة للمرأة ولكن المفارقة العددية هنا هي لصالح حزب العدالة والتنمية بسبب كثرة عدد ممثليه ضمن البرلمان حيث دخل حزب اليسار الأخضر بحوالي ٣٠ امرأة بينما حزب العدالة والتنمية بحوالي ٥٠ امرأة والسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا أولاً لماذا هناك نساء تدعم هذه الحكومة وهذا الحزب وهما اللذان قاما عام ٢٠٢١ بالخروج من اتفاقية اسطنبول الموقعة مع المجلس الأوربي بخصوص منع العنف ضد المرأة ومنع العنف الأسري ، والسؤال الثاني لماذا يسعى هذا الحزب المنسحب من اتفاقية منع العنف ضد المرأة لزيادة انخراط النساء ضمن صفوفه ويختار بعض الشخصيات النسوية الشابة المحجبة ذات التأثير على الفئة الشابة وتسوقها في قائمتها الانتخابية و يبدو أن هذه دعاية من أجل دعوة الفئة الشابة لدخول الإسلام وتشجيع خاص للمرأة الشابة لريادة هذه العملية الممزوجة بسياسة الدولة هذه السياسية هي وليدة حديثاً في تركيا وتتجذر يوماً بعد يوم في البرنامج السياسي لحكومة AKP بغاية إغلاق الطريق على الخط الديمقراطي في تركيا والذي يمثله حزب الشعوب الديمقراطي بحسب البرنامج السياسي لهذا الحزب تشارك المرأة ضمنه بنظام الكوتا مناصفة وتشاركية بين الجنسين وهذا الواقع هو الذي جذب ولا يزال يجذب الآلاف من النساء وخاصة الفئة الشابة للأنخراط فيه لذا كل أعداء المرأة دقو ناقوس الخطر وبدأو بنسج خيوط المؤامرات ورسم سياسات ممنهجة ضد وجودها بهذا الزخم والنابع من ذهنية حرية المرأة ( المرأة ، الحياة ، الحرية ) هناك محاولة واضحة من قبل طرفي القومية ( الرأسمالية) والإسلامية بزج المرأة في معركتهم السياسية بهدف إضعاف دورها في ترسيخ الخط الثالث الديمقراطي الذي يسعى حزب الشعوب الديمقراطي (( HDP لتحقيقه بداخل التركي
ويلاحظ أن رأس النظام التركي شكل حكومة البلاد من غالبية ذكورية والشخصية النسوية الوحيدة التي وقع االاختيار عليها لتكون وزيرة الأسرة والخدمات هي ماهينور أوزدمير جوكتاش والتي سبق وأن وصفها البعض بأنها الأبنة الروحية لأرد وغان وتمتلك علاقة شخصية قوية مع أمينة أر دوغان وهي سابقاً كانت أول أمراة محجبة انتخبت للبرلمان الأوربي عام ( 2009) و كانت أنذاك منتمية لحزب CDH (الحزب الديمقراطي المسيحي ) ولكنها فصلت فيما بعد وأكملت مسيرتها مستقلة داخل البرلمان الأوربي حتى انتهاء ولايتها عام 2019 وبعدها بدأت تتبلور علاقاتها مع حزب العدالة والتنمية وأصبحت سفيرة تركيا في الجزائر
وهنا يبدو جليا أن المرأة ضمن تركيا دخلت مرحلة جديدة من الحياة مع ولادة هذه الحكومة الهجينة ضمن البلاد وهناك الكثير من خيوط المؤامرة التي نسجت وتنسج لها من قبل القوميين والسلفيين وهي هنا إن لم تتسلح بالوعي لتدير نفسها وتنظم صفوفها فإنها ستصبح لقمة سائغة لأعدائها وأعداء الديمقراطية فمن يبتلع خيرات البلد لن يتوقف عن ابتلاع كل من يقف في طريقه وأولهم المرأة ربما في قادم الأيام سنرى توسعاً في تيارات من النساء تتحارب أيدلوجياً بالداخل التركي لأن هناك أطراف تعمل لصهر المرأة في البوتقة القومية أو الدينيه لأهداف وغايات سياسية ضيقة لصالحهم وليس لصالح المرأة وأول تلك الأهداف هي محاربة المرأة الكردية والعمل على اقصائها من الحياة العملية و السياسية بالداخل التركي عن طريق طرح المرأة المحجبة لتصبح بذلك وجهاً لوجه في مواجهة المرأة الحرة هذا ومن جانب أخر تصبح وجهاً دعائياً لهم من أجل تشجيع الفئة الشابة للأنخراط في هذا النهج بهدف سلخ المرأة عن جوهرها الحقيقي ودورها التاريخي الاجتماعي في نشر السلام والديمقراطية فمثلما يريدون كردياً جيداً يخدم مصالحهم فأنهم يريدون امرأة جيدة تتماشى مع سياساتهم .