الدور الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط

تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار؛ فالتدخّلات الإقليمية، وبالأخص تركيا وإيران، في شؤون الدول المتأزّمة “ربيع الشعوب” لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية في سوريا والعراق، قد شكّلت هاجساً لدى إسرائيل على الرغم من دور نظام الأسد في حماية أمنها القومي، ورغم العلاقة التي تربطها بتركيا.
كما أنّها – إسرائيل – لم تكن يوماً بعيدة عن الأحداث والأزمات والمتغيّرات الإقليمية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وإن لم يكن دورها بشكل مباشر في الاحداث والأزمات الجارية، لكن السابع من أكتوبر كان نقطة التحوّل في سياستها الخارجية للانتقال من الدور السرّي إلى الدور العلني، ولم يتوقّف هذا الدور عند حماس في غزة بل تعدّاه إلى حزب الله في لبنان ومن ثم سوريا وتوغّلها في الجنوب السوري. هذا التدخّل العسكري في لبنان وسوريا أضعف أو قضى على الأذرع الإيرانية فيهما، وأنهت ما يسمّى بمحور المقاومة، لكن مقابل ذلك؛ رأت تركيا هذا انتصاراً لها بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، وعمل تركيا على زيادة قواعدها العسكرية في الشمال السوري المحتلّ ومحاولاتها استغلال ضعف النظام الجديد لتمرير اتفاقيات تتعلّق بترسيم الحدود الحربية والاتصالات وغيرها؛ وهو ما شكل هاجساً لدى إسرائيل إزاء نوايا الدولة التركية، فبعد قطع إسرائيل طرق إمداد حزب الله تحاول إيران هذه المرّة إمداد حزب الله عن طريق تركيا، فهل تحاول تركيا مد نفوذها إلى حزب الله لغايات مستقبلية مرتبطة بأمنها القومي؟
هذا الدور المنوط بإسرائيل لم يأتِ من فراغ؛ فإسرائيل جزء من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ودورها يتعدّى الدول إقليمية ليشمل منطقة الشرق الأوسط؛ فإسرائيل لديها مطامع تتمثّل بدولة إسرائيل الكبرى، لأنّ دولة إسرائيل الحالية لا تؤهّلها لأن تكون دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، أي أن تكون دولة مركزية وجميع الدول الشرق أوسطية تدور في فلكها، لذا؛ يتحتّم عليها ما يلي:
التوسّع الجغرافي:
كما تزعم إسرائيل وبحسب معتقداتها الدينية؛ فإنّ دولة إسرائيل تمتدّ من الفرات إلى النيل، إسرائيل حتى تكون دولة محورية لا بدّ لها من الخروج من قوقعتها والتمدّد بشكل مباشر وغير مباشر في الدول المجاورة لها وتوسيع مناطق نفوذها؛ بحيث تكون قادرة على التحكّم بهذه الدول وتحافظ على أمنها القومي من أي تهديد، سواء على مستوى الدول “سوريا فيما يُسمّى بمحور المقاومة كانت تشكّل تهديداً لإسرائيل على الرغم من أنّ النظام السوري كان يحافظ على أمنها القومي بعد حرب تشرين”، أو على مستوى التنظيمات والميليشيات مثل الميليشيات الإيرانية وحزب الله أو التنظيمات الإسلامية الراديكالية.
وهو ما حدث بالفعل بعد السابع من أكتوبر؛ من خلال إضعاف حركة حماس والسيطرة على قطاع غزة، ومن ثم إضعاف حزب الله في لبنان والسيطرة على جنوب لبنان، وإنهاء وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا وتوغّلها في أجزاء من الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد، كما أنّ سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق يفسح لإسرائيل المجال أكثر للتدخّل في سوريا؛ حيث عملت على تدمير كامل القواعد العسكرية والأسلحة الاستراتيجية في سوريا، كما تدّعي حماية المكوّن الدرزي في الجنوب السوري والذي قد يخدمها في مشروعها “معبر داوود”. لذا؛ قد تكون في نهاية المرحلة الأولى للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط بعد السيطرة على القرار السياسي في دمشق، وقد تكتمل المرحلة بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية.
إفراغ الساحة من المنافسين
تضم منطقة الشرق الأوسط ثلاثة دول قوية عسكرياً “إيران وتركيا ومصر” ولكل منها (باستثناء مصر التي تطمح لأن تكون مركزاً لنقل الطاقة إلى أوروبا) مشروعها الاستعماري (المشروع العثماني والهلال الشيعي) ومن خلاله تحاول أن تكون الدولة الأولى أو المركزية في منطقة الشرق الأوسط.
هذه الدول تشكّل تهديداً مستقبلياً لإسرائيل ولا يمكن لها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط طالما كانت هذه الدول بهذه الشاكلة؛ فهي تمتلك أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط وتمتلك أسلحة استراتيجية تتفوّق عليها على الرغم من امتلاكها أسلحة نووية، ولكي تصبح إسرائيل دولة محورية لا بدّ لها من إضعاف هذه الدول التي لا تتوانى عن مدّ نفوذها في دول الجوار بشتّى الوسائل “اتفاقيات أو عن طريق الاحتلال المباشر”، فإيران متمدّدة في العراق ولبنان، أما تركيا فتتمدد في جنوب كردستان “شمال العراق”، وكذلك تتمدّد في سوريا إلى جانب علاقتها القوية بالتنظيمات الجهادية الراديكالية وتنظيم الإخوان المسلمين، أمّا مصر وعلى الرغم من عدم امتلاكها مشروعاً توسّعياً على غرار إيران وتركيا فهي تمتلك جيشاً قوياً ومتطوّراً على الحدود الجنوبية الغربية لإسرائيل، ومع وجود هذه الدول فإنّ طموحات إسرائيل تتوقّف عند حدود المرحلة الأولى أي إلى دول الجوار لها. وبحسب مخطط الشرق الأوسط الكبير فإنّ هذه الدول “إيران وتركيا” قد تكون جزءاً من هذا المخطّط، فمخطط الشرق الأوسط الكبير قد يقوم على منح إسرائيل الدور الأكبر في المنطقة “وكيلة أو شرطي الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة” وكما تعمل الولايات المتحدة على ربط جميع المشاريع الاقتصادية المؤدّية إلى أوروبا بإسرائيل، كالممرّ الاقتصادي بين الهند وأوروبا التي تعمل عليه الولايات المتحدة رّدأ على المشروع الصيني “مبادرة حزام واحد طريق واحد”.
وبالعودة إلى هذه الدول التي تشكّل تهديداً أو تحدّياً لأطماع إسرائيل نتيجة تضارب المشاريع الاستعمارية لهذه الدول مع بعضها، لذا فإنّ المرحلة المقبلة ضمن مخطّط الشرق الأوسط الكبير قد تعمل على إضعاف هذه الدول، أي تغيير أنظمتها المركزية “إيران وتركيا” وذلك بتحريك ملفات حساسة من شأنها إحداث تغيير جذري في أنظمتها؛ لذا تحاول هذه الدول حل تلك الملفات داخلياً كالقضية الكردية، والحصول على ملفات جديدة في الدول المجاورة لها كأوراق ضغط في وجه الدول مخططة لشرق أوسط كبير، أو عقد اتفاقيات جديدة تطيل من عمر أنظمتها كالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة.
“إنّ مخطًط الشرق الأوسط الكبير لا يمسّ الحدود المتعارَف عليها، بل شكل الأنظمة في تلك الدول، فلم تعد الأنظمة المركزية تخدم النظام العالمي القائم بل أصبحت تشكّل عائقاً كبيراً أمام الصراع الأمريكي الصيني والأمريكي الروسي وفي الحفاظ على نظامها العالمي” أمّا بالنسبة لمصر فيمكن إضعافها من خلال وقف المعونات الأمريكية والقروض أو التقليل من واردات قناة السويس من خلال المشاريع الاقتصادية أو استغلال سد النهضة للضغط على مصر”. لذا؛ فإنّ طموحات دولة إسرائيل تتجاوز الدول المجاورة لتشمل كامل منطقة الشرق الأوسط، ولكي تصبح دولة محورية تدور معظم دول الشرق الأوسط في فلكها لا بد من تفتيت أنظمة هذه الدول “تركيا وإيران”.
قد يبدو أنّ هذا المخطّط بعيد المنال أو غير واقعي في الوقت الحالي لدى المتابع، إلّا أنّه بالنظر لما حدث خلال العشرين السنة الماضية “سقوط نظام صدام حسين في العراق وسقوط نظام القذافي في ليبيا وتنحية مبارك عن الحكم في مصر وإنهاء حكم الإخوان وسقوط نظام علي عبد الله الصالح في اليمن وأخيراً سقوط نظام الأسد في سوريا” ينبّئ بحدوث تغييرات كبيرة في هذه الدول، وهذا ليس ضرباً من الخيال، خاصة أنّ هذه الدول قد خرجت عن الدور المناط بها في الفترة الأخيرة وباتت تشكل بمشاريعها الاستعمارية خطراً على إسرائيل.
إنّ ربيع الشعوب ما يزال مستمراً في منطقة الشرق الأوسط، والأزمة السورية لم تنتهِ بسقوط نظام الأسد بل ما تزال مستمرة، وهذا النظام الجديد بقيادة احمد الشرع على الرغم من قبوله إقليمياً وعالمياً إّلا أنّه قد تم وضعه لمرحلة انتقالية لا أكثر، فلن ترضى إسرائيل بوجود أو نموّ تنظيمات أو فكر إسلامي راديكالي في سوريا، وإراقة الدماء والأزمات في سوريا قد تستمر لبضع سنوات أخرى حتى يتم قبول شكل النظام الجديد في دمشق والذي تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إقامته في دمشق بعد الإطاحة بالنظام القائم ويحظى بقبول جميع الدول، وفي ذلك الوقت ستكون تركيا وإيران قد هبّت عليهما نسائم ربيع الشعوب ولن تكون في موقف تكون فيه قادرة على التدخّل في سوريا؛ وبذلك يكون مخطّط الشرق الأوسط قد خطى خطوات كبيرة في المنطقة، وهذا المخطّط لن يستثني أي دولة ذات ثقل في المنطقة، لتصبح إسرائيل الدولة المحورية في المنطقة وجميع دول الشرق الأوسط تدور في فلكها.