ومضة في خِضَمّ تحدّيات النهضة السوريّة

   وليد الشيخ

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

تشهد سوريا مرحلة فارقة في تاريخها المعاصر، حيث تواجه الإدارة الجديدة واقعًا معقّدًا يتداخل فيه البُعد المحلّي مع الإقليمي والدولي؛ فبعد سنوات من الصراع العنيف، برزت تحدّيات نوعية تتطلّب استراتيجيات فعّالة لمعالجتها على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية؛ وفي خِضَمّ هذا المشهد المتشابك، تبدو مسألة استعادة السيادة الوطنية وإعادة بناء الدولة الحديثة رهينة التوازن بين المصالح الداخلية والتدخّلات الخارجية.

أولًا: التحدّيات الأمنية:

هشاشة الاستقرار وخطر الفصائل المسلّحة: على الرغم من تراجع الأعمال القتالية بشكل نسبيّ، إلّا أنّ البيئة الأمنية في سوريا لا تزال تتّسم بالتوتّر وعدم الاستقرار، وتُشكّلُ الفصائل المسلّحة، سواء المدعومة إقليمياً أو تلك التي تتّسم بطابع محلّي، أبرز التهديدات التي تواجه أي محاولة لتأسيس نظام أمني متماسك.

تفكّك السلطة المركزية: أدّى انهيار سلطة الدولة في مناطق عدّة إلى نشوء فراغ أمني استغلّته قوىً محلّية وخارجية لترسيخ نفوذها؛ ممّا عزّز انقسامات مناطقية وعرقية وطائفية.

التحوّلات الجيوسياسية: وجود قوى إقليمية ودولية مثل روسيا وإيران وتركيا يشكّل معادلة أمنية معقّدة؛ حيث تتداخل المصالح وتتناقض الأجندات، ممّا يعيق بناء مؤسسات أمنية ذات سيادة كاملة.

الفصائل المسلّحة: لا تزال الفصائل، سواء فصائل المعارضة أو تلك المدعومة خارجيًا، تشكّل عقبة أمام تكريس سلطة موحّدة؛ حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية مع استمرار النزاع المسلّح في بعض المناطق.

ثانيًا: التحدّيات الاقتصادية – إعادة الإعمار بين الضغوط والعقوبات:

 تعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة انعكست من خلال تدهور مستوى المعيشة، وانهيار العملة المحلّية، وارتفاع معدّلات البطالة والفقر. وترتبط عملية إعادة الإعمار بعوامل عدّة، أبرزها:

العقوبات الاقتصادية: فرضت العقوبات الغربية، لا سيّما قانون “قيصر”، قيودًا مشدّدة على الاقتصاد السوريّ؛ ممّا حدّ من قدرة الإدارة الجديدة على جذب الاستثمارات وإعادة تأهيل البنية التحتية.

اقتصاد الحرب: أدّى انتشار اقتصاد الظلّ والأنشطة غير المشروعة إلى تعميق الفجوة بين النخب الاقتصادية والسكان المحلّيين؛ ممّا يعيق تنفيذ أي إصلاح اقتصادي شامل.

الفساد وضعف المؤسسات: يشكّل الفساد المؤسّساتي أحد أبرز العوائق أمام أي نهضة اقتصادية؛ حيث تغيب الشفافية وآليات الرقابة الفعّالة.

ثالثًا: التحدّيات السياسية – مأزق الشرعية وإعادة بناء العقد الاجتماعيّ:

تتّسم الساحة السياسية السورية بانقسامات عميقة وصراعات حول الشرعية؛ وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق استقرار سياسي مُستدام.

غياب التوافق الوطني: لا يزال الانقسام بين الأطراف السياسية يُعيق أي جهود جدّية نحو تسوية شاملة؛ فبينما تسعى بعض القوى إلى تكريس سيطرتها، تطالب المعارضة بإصلاحات جوهرية تضمن تقاسم السلطة.

ضعف التمثيل المجتمعي: تعاني البنية السياسية من غياب المشاركة الشعبية الحقيقية؛ ما يعزّز الشعور بالإقصاء لدى شرائح واسعة من المجتمع.

الإصلاح الدستوري: يبقى تعديل الدستور وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة شرطًا ضروريًا لتحقيق الانتقال السياسي؛ إلّا أنّ الخلافات حول طبيعة النظام المستقبلي تشكّل عقبة كبيرة.

رابعًا: التدخّلات الخارجية – إدارة النفوذ المتشابك

تتحرّك سوريا في إطار إقليمي ودولي بالغ التعقيد؛ حيث تواصل القوى الكبرى والإقليمية إدارة مصالحها عبر أدوات النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي.

روسيا وإيران: تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في شرق المتوسط، بينما تعمل طهران على تعزيز وجودها العسكري والأيديولوجي.

تركيا: تتعامل أنقرة مع الملف السوري من منطلقات أمنية تتعلّق بالكرد وإجهاض أي تجربة يكون الكرد فاعلين فيها، بالإضافة إلى طموحاتها التوسّعية في الشمال السوري.

الولايات المتحدة: رغم انسحابها الجزئي، كما يُزعَم، لا تزال واشنطن تدير مصالحها عبر العقوبات ودعم حلفائها المحلّيين في شرق الفرات.

خامسًا: استراتيجيات النهضة – رؤية للخروج من عنق الزجاجة:

رغم حجم التحديات، إلّا أنّه لا تزال هناك نوافذ للأمل يمكن من خلالها إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة؛ ومنها:

تعزيز الأمن الوطني: عبر توحيد القوى الأمنية تحت سلطة مدنية، وإطلاق برامج لنزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين في الحياة المدنية.

الإصلاح الاقتصادي: من خلال تحفيز الإنتاج المحلّي، ومكافحة الفساد، والتفاوض من أجل تخفيف العقوبات لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار.

الحوار السياسي الشامل: تأسيس عملية سياسية جامعة تضمن تمثيل جميع مكوّنات الشعب السوري، ووضع خارطة طريق للانتقال السياسي الديمقراطي.

إدارة التوازنات الخارجية: عبر تبنّي سياسة خارجية متوازنة تضمن استقلال القرار الوطني وتخفيف التدخّلات الخارجية.

تشكّل النهضة السورية مشروعًا طَموحًا يتطلّب رؤية استراتيجية تتجاوز الحلول التقليدية، وبقدر ما تفرض التحدّيات واقعًا معقّدًا، فإنّ امتلاك الإرادة السياسية، والاستناد إلى قيم العدالة والشراكة، يمكن أن يفتح أفقًا جديدًا نحو مستقبلٍ أكثرَ استقرارًا وازدهارًا لسوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى